جاء تصريح مستشار المرشد الأعلى الإيراني قبل بعض الوقت بأن البحرين محافظة إيرانية، ليثير حالة من الأسف والدهشة في أوساط عربية وغير عربية. أما في أوساط عربية فقد اتضحت تلك الحالة في فريقين اثنين، يتمثل أولهما في فئة من المُتعاطين بالشأن السياسي العربي وبالفكر السياسي، خصوصاً في ضوء الحضور الكثيف العالمي للنظام الدولي الجديد. أما ثاني الفريقين فيتحدد بأولئك الذين يشتغلون على مشروع عربي للنهوض والتنوير، أو يحملون همّاً مركزيّاً يعتبرونه مصيرياً ويلتقي مع ذلك المشروع، سواء في تجلّيه السوري أو المصري أو الخليجي... إلخ. أما حالة الأسف والتأسف، التي وقع فيها الفريقان، فتأتي من أن التصريح المشار إليه يتحدّر من دولة تعلن صداقتها مع العالمين العربي والإسلامي، وتضامنها مع القضايا العادلة التي يدافعان عنها. لكن الحالة الأخرى، حالة الدهشة، تتولد من أن تصريحه يتعارض مع القانون الدولي المتعلق بسيادة الدول الوطنية، وحقها في تقرير مصيرها. واللافت في ذلك أن ظهور هذا التصريح يتم في عهد جديد من تاريخ البشرية، هو عهد عولمة تسعى إلى تفكيك الدول الوطنية والهويات القومية، وإلى وضع العالم تحت قبضة هيمنتها، وهو كذلك عهد لا يرتوي من الحروب الاستباقية وغيرها، بعد انتهاك سيادة بلدان هنا وهناك، والعراق منها على نحو الخصوص. وليس خفياً أن مبدأ احترام الشعوب والدول هو واحد من أخطر ما تسعى العولمة المؤمركة إلى إنهائه، وما الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة على العراق بعد غزوه الكويت إلا نمط من أنماط النفاق السياسي. فهي لم تفعل ذلك دفاعاً عن حق الكويت الشرعي في السيادة الوطنية، وإنما فعلته ضمن استراتيجيتها في العالم العربي القائمة على إنتاج حروب بين بلدان عربية شقيقة تُفضي إلى تفتيت ما هو مفتّت ومجزأ. لقد قام العالم على صدام حسين ونظامه السياسي، حين اجتاح الكويت، معلِناً أنه "محافظة عراقية". والشيء نفسه يعلنه مصدر إيراني رفيع فيما يتعلق بالبحرين. كيف ذلك؟ وما المسوغات التي دفعت إليه؟ لسنا الآن في معرض البحث عن مثل تلك المسوغات، ولكننا نرى أن إلحاق بلدٍ مَّا بإمبراطوريةٍ مَّا في مرحلةٍ مَّا لا يعني أنه عملية شرعية في ذاتها، باعتبار الحق الدولي والحق التاريخي والأخلاقي، ومن ثم، فهو لا يقود إلى اعتبار البلد المعني ملحقاً بالإمبراطورية لها. لقد أُخضِعت البحرين في تاريخها لعدة دول أو إمبراطوريات، بحكم القوة، فكان البرتغاليون في القرن السادس عشر، وكان الفرس في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وجاء البريطانيون في القرن الثامن عشر، ثم الأميركيون، وكل هؤلاء أعلنوا أن البحرين ملحقة من ملحقاتهم. لكن هذا البلد -الغني بنفطه وبثرواته الطبيعية التي تثير شهيّة الآخرين- إنما هو بلد عربي ويوجد في محيط عربي، وتعيش فيه أكثرية عربية (Meyers Neues Lexikon-Leirzig 1961, 1.s. 571). وبالرغم من عمليات الإلحاق تلك، ظل البحرين قطراً من الأقطار العربية المعترف بها محلياً وإقليمياً ودولياً. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يكتسب بُعداً أكبر، حين يبرز الحديث عن مشروع عربي في النهضة والتنوير، فهذا المشروع هو -في العهد الجديد العولمي- الرهان الحقيقي لإخراج العرب من عنق الزجاجة، أي من الانحطاط الحضاري الشامل والعميق الذي يغرقون فيه. وبهذا الاعتبار، فإن التفريط بأي قطر عربي، سواء كان البحرين أو غيرها، إنما هو مدخل إلى تكريس وضعية التجزئة والتفتيت والانحطاط المهيمنة فيه. وفي هذه الحال، يغدو من الضروري القول: إن العهد العولمي الجديد -وغيره من العوامل- قد أطاح بفكرة وحدةٍ اندماجية بين الأقطار العربية، إلا أن فكرة التوحّد والتضامن بين هذه الأخيرة لم يُطحْ بها، بل على الأقل يمكن الانطلاق من أن المشروع العربي في النهضة والتنوير بقدر ما يشير إلى خصوصية كل قطر عربي، فإنه ينطلق من أن هنالك ما يجمع بين الأقطار العربية، على الأقل، انطلاقاً من أن التكتلات الاقتصادية والمحاور السياسية الكبرى المطابقة أصبح لها دور فاعل بل حاسم في العصر الراهن. إن سياسة القضْم التي اتُّبعت حِيال العالم العربي، يُراد لها أن تثمر أوضاعاً تُفضي إلى إخراج العرب من التاريخ، سواء من قبلُ أو فيما بعدً. وفي هذا السياق، لا يصحّ غض النظر عن البعد الإسلامي في المشروع العربي المعني، وحيث يكون الأمر بهذه الصيغة، فإن التساؤل التالي يغدو وراداً: كيف يمكن التضامن مع العالمين العربي والإسلامي، اللذين يمثلان هدفاً مهماً من أهداف النظام العالمي المؤمرك باتجاه تفكيكهما؟ إن تضامناً معهما بالحد الأدنى يشترط إقراراً فاعلاً في وجودهما ومطامحهما في التقدم.