ربما لم يلفت انتباه شريحة كبيرة من قرّاء الصحف خبر إطلاق د. حنيف حسن، وزير التربية والتعليم، حملة لـ"نظافة مدارس الدولة" قبيل العام الدراسي الجديد، ولكن ما لفت انتباه الكثيرين هو التقارير الصحفية التي تناولت ردود الأفعال حول الموضوع وتعليقات القرّاء التي كانت من نصيب هذا الخبر المنشور في النسخ الورقية والمواقع الإلكترونية للصحف المحلية. التعليقات في مجملها اتفقت على نبل الهدف من الحملة، ولكنها عبّرت عن غضبها واستيائها من دعوة المُدرّسين والمدرّسات إلى المشاركة في إعداد وتجهيز المدارس لاستقبال العام الجديد، فبعضهم رأى في هذه الحملة عبئاً إضافياً يلقى على كاهل المعلمين والمعلمات، مشيراً إلى أن المسألة تتعلّق بالحقوق والواجبات والاختصاصات داخل المبنى المدرسي، فيما رأى فيها آخرون مزيداً من الامتهان لدور المدرّس التربوي وخدمة مجانية لشركات النظافة التي تخلّت عن واجبها، ومحاولة لمعالجة قصور خدمات هذه الشركات بتحميل العبء على المدارس نفسها، فيما ذهب آخرون إلى القول بأن أوضاع النظافة في بعض المدارس "سيئة جداً" داعين الوزارة إلى اتخاذ اللازم بسرعة بدلاً من إطلاق الحملات التي تسند دور عامل النظافة إلى المدرّسين والمدرّسات. بعضهم الآخر استنكر المسألة وتهكّم من الفكرة مقترحاً إضافة عائد مادي أو علاوة جديدة سمّاها "علاوة نظافة" مع اقتراح مسابقة جديدة تعلن نتائجها مع نهاية العام الدراسي لاختيار المدرّس المثالي في النظافة ومكافأة المجيدين بترقيتهم! بطبيعة الحال فإن فكرة مشاركة هيئات التدريس في تجهيز مدارسهم لاستقبال العام الدراسي الجديد فكرة حضارية برّاقة، ولكن تزامن إطلاق الحملة مع شكوى شركات النظافة في المدارس من ضعف قيمة العقود أو قلتها أو غير ذلك من أمور تسبّبت في بروز حاجة العديد من المدارس إلى حملة إنقاذ عاجلة تؤهّلها لاستقبال العام الدراسي الجديد بالشكل المنشود، هذا التزامن شكّك الكثيرون في الدافع من وراء إطلاق حملة نظافة المدارس والهدف الحقيقي منه، وهل يكمن في غرس قيمة النظافة وتحمّل المسؤولية والعمل بروح الفريق أم معالجة أخطاء إدارية في التعامل مع شركات النظافة بالمدارس؟ المصلحة العامة تقتضي أن يسهم الجميع بالفعل في تدشين عام دراسي خالٍ من المشكلات والمعوقات الإدارية والروتينية، ولكن الشواهد تؤكد أن الوزارة لم تزل تفكّر بمعزل عن الميدان ولم تزل التصريحات في وادٍ وآراء الميدان التربوي التي ترصدها المعاملات اليومية ووسائل الإعلام في وادٍ ثانٍ، بحيث يبدو للعيان أن الوزارة لا تتحرّى هذه الآراء في قراراتها ليس فقط على صعيد العملية الإدارية وسياسات التعليم بل أيضاً في موضوعات ثانوية مثل نظافة المدارس ومرافقها التي اعتبرتها شريحة من المدرّسات "إهانة لهن" على حدّ ما ورد على لسان بعضهن في التقارير الصحفية، وبالتالي ربما تبدو "ضربة البداية" في العام الدراسي الجديد غير موفّقة من جانب الوزارة التي ينتظر مئات المعلّمين والمعلّمات منها إنصافاً لدورهم على الصعيدين المادي والمعنوي بدلاً من القرارات التي تسهم في تغذية الأجواء الطاردة للمعلّمين والمعلّمات من هذه المهنة السامية. الصورة النمطية للمعلم محاطة فعلياً بكثير من السلبيات واللغط والتشويه الذي مورس عبر عقود سواء من خلال وسائل الإعلام أو الدراما أو الثقافة المجتمعية ذاتها، وبالتالي يبدو من المنطقي التساؤل عن مدى وجود حاجة فعلية تبرّر هذا الجدل الغريب حول مسؤولية نظافة المدارس التي كانت بانتظار المعلّمين والمعلّمات في عامهم الدراسي الجديد. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية