هناك جهات عدة أبرزها فرق الدفاع المدني بوزارة الداخلية وفرق الإطفاء التابعة للقوات المسلحة تعاونت وشاركت في إخماد الحريق الهائل الذي وقع في مستودعات إحدى الشركات بميناء خالد بالشارقة، وهذا الأداء المخلص يستحق بحد ذاته الشكر والتقدير على ما بذل من جهود للسيطرة على حريق وصف بأنه الأكبر في تاريخ الدولة. ولا شك أن وقوع أزمة طارئة بهذا الحجم يستحق من الجهات المعنية وقفة حازمة، سواء لاستخلاص العبر والدروس المستفادة وتفادي تكرار الأخطاء أو كشف أي ثغرات في تطبيق اللوائح والقواعد الخاصة بالدفاع المدني وأنظمة الحماية من الحرائق. هذا الحريق لم يكن الأول، فهناك ما يصفه البعض بمسلسل حرائق شهدته بعض المناطق بالدولة في الآونة الأخيرة، وكان واضحاً أن السبب المباشر أو الرئيسي في ذلك في العشوائية وعدم الالتزام بتطبيق معايير الأمان والسلامة لسبب أو لآخر، وبالتالي يصبح من الضروري القطع بأن التفتيش الدقيق على تطبيق قواعد الدفاع المدني يمثل مسألة ملحة خصوصاً في المناطق الصناعية بحكم تأثير أي حدث في هذه المناطق على المناخ الاستثماري، وأيضاً على الاستثمارات المالية الهائلة في تلك المناطق. المسؤولية في هذه الحالة لا تقع على سلطات الدفاع المدني فقط بل أيضاً على شركات التأمين التي يفترض فيها أن تقدم إسناداً قوياً في مجال التأكد من توافر شروط السلامة المدنية وتطبيق معايير الدفاع المدني قبل توفير الغطاء التأميني للشركات والمنشآت، خصوصاً تلك التي تعمل في مجال المواد القابلة للاشتعال، إذ لا يفترض من شركات التأمين وأصحاب المؤسسات والشركات أنفسهم التقصير في الالتزام بقواعد ومعايير السلامة، ثم مطالبة أجهزة الدفاع المدني بتحمل أخطاء التقصير!. أحد الدروس المهمة في هذه الكارثة هو ضرورة التشديد على إجراءات السلامة في المرافق الحيوية والمراكز التجارية وأيضاً البنايات والأبراج السكنية، خصوصاً أن هناك إهمالاً نسبياً في هذا الجانب في السنوات الأخيرة، نتيجة لتراجع الاهتمام بصيانة المباني بسبب أزمة الإيجارات وتحول الصيانة إلى ورقة ضغط بين أيدي فئة من الملاك لإجبار السكان على مغادرة الشقق، وتحولت أجهزة الإنذار وطفايات الحريق في كثير من الحالات إلى مجرد ديكور! من بين الدروس المهمة أيضاً هو ضرورة البحث عن آليات وطرق للتخلص من التجمعات البشرية الفضولية التي تتجمع بشكل هائل حول موقع أي حادث أو حريق وتتسبب في تأخير جهود الإنقاذ أو التشويش عليها أو إعاقة وصول سيارات المطافئ وإضافة عبء تأمين سلامة هذه الحشود التي تتحول في معظم الأحيان إلى عبء إضافي جديد على كاهل فرق الإنقاذ وأطقم الطوارئ العاملة في موقع الحادث أو الحريق. والحل لن يكون في اتخاذ إجراءات عقابية ضد هذه الجموع التي تلتئم من دون سابق إنذار، بل يقوم بالأساس على نشر الوعي بخطورة هذه الممارسات التي تحولت إلى ظاهرة يمكن ملاحظتها عند موقع أي حادث مروري أو مكان حريق صغيراً كان أم كبيراً. "الرسالة التوعوية" في هذا الشأن ينبغي أن تكون مكثفة وقوية وقادرة على الانتشار والوصول إلى جميع أفراد المجتمع، من مواطنين ومقيمين، بمختلف أعمارهم وجنسياتهم، وأن تمتلك المقدرة على النفاذ إلى جميع الشرائح والطبقات، لأن استمرار هذه الظاهرة يبدو مسيئاً بحد ذاته، فضلاً عن كونه يعرقل جهود الإنقاذ والإطفاء، وفي هذا الإطار ربما توفر دور العبادة منبراً مهماً للتشديد على خطورة هذه التصرفات الفضولية. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.