سوف يدلي "ديفيد بيترايوس" قائد القوات الأميركية في العراق، و"رايان كروكر" السفير الأميركي هناك، بشهادة أمام الكونجرس الشهر القادم حول الوضع في بلادي. وأتوقع أن تكون شهادة هذين الرجلين الموقرين مفصلة ودقيقة، بيد أنني أتوقع أيضاً ألا يكون تقويمهما للوضع محيطاً بكافة جوانب المأساة التي وصلنا إليها وهي أن العراق، وبعد مرور أربع سنوات على سقوط صدام حسين، قد أصبح دولة فاشلة عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الأمن، والخدمات الأساسية لشعبها، تساهم في أزمة متفاقمةٍ شرق أوسطياً. وأزيدكم إيضاحاً فأقول: إن مسؤولية الورطة الحالية في العراق تقع على عاتق الحكومة العراقية في المقام الأول، وذلك بعد أن فشل رئيسها نوري المالكي في الاستفادة من رغبة الشعب العراقي في حياة سلمية منتجة، كما فشل في استثمار التزام الولايات المتحدة، وغيرها من الدول، وتضحياتها الضخمة في العراق. و"قمة الأزمة" المزمع عقدها في بغداد، ليست سوى دليل آخر على انهيار حكومة المالكي. فأقصى ما يمكن أن تنجزه تلك القمة، هو الإعلان عن التزام جديد من قبل المشاركين فيها بالتعاون معاً، وهو ما يمكن أن يوفر بعض الأسابيع والشهور الإضافية للجهود التجميلية الحالية، لكن المؤكد أنها لن تتمكن من تحقيق تسوية سياسية دائمة في العراق طالما ظلت حكومة المالكي الطائفية الحالية في السلطة. من ذا الذي كان يتخيل أن يعاني العراق من أزمة كهذه بعد أربع سنوات على سقوط صدام حسين؟ ومن كان يتخيل أن يلقى ما بين 2000 و3000 آلاف مدني عراقي مصرعهم شهرياً على أيدي الإرهابيين وفرق الموت؟ وأن لا تتوافر الكهرباء للعراقيين سوى ست ساعات يومياً على أقصى تقدير؟ وأن تتحول بغداد إلى مدينة مقسمة إلى كانتونات طائفية كما كانت بيروت في ثمانينات القرن الماضي؟ إن مسؤولية تحقيق الاستقرار والأمن والديمقراطية في بلادنا، تقع على عاتق العراقيين. لذلك فإني أعمل حالياً مع زملائي في البرلمان، من أجل تكوين ائتلاف ذي أغلبية غير طائفية، لدعم خطة النقاط الست الهادفة إلى إحلال "عهد جديد" في العراق، واستبدال الحكومة العراقية الحالية من خلال وسائل ديمقراطية. - إن العراق يجب أن يكون شريكاً كاملاً للولايات المتحدة في تطوير الخطة الأمنية التي ستؤدي إلى انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأميركية خلال العامين القادمين، وفي غضون ذلك ستقلص الدور القتالي لتلك القوات. إن الولايات المتحدة لا غنى عنها من أجل تحقيق السلام والاستقرار في العراق والشرق الأوسط الكبير، لكن ذلك لن يكون أمراً ممكناً طالما ظلت الحكومة العراقية الحالية في السلطة. - إنني أقترح إعلان حالة الطوارئ في بغداد وغيرها من المناطق التي يدور فيها القتال، لكن الأمر الذي لا بد منه قبل ذلك هو إعادة تشكيل قوات الأمن، على نحو يمكن من خلاله استيعاب المليشيات الطائفية والعرقية في بنية غير طائفية لتلك القوات. إن تقوية المليشيات ليس حلاً قابلاً للاستمرار لأنه يؤدي إلى إدامة التوترات بين الفئات الاجتماعية، ويقوض قوة وسلطة الدولة التي تفقد شرعيتها عندما تعجز عن توفير الأمن. - نحن بحاجة إلى استراتيجية دبلوماسية إقليمية، تستثمر بشكل متزايد الأمم المتحدة والعالم العربي في توفير الأمن في العراق وإعادة إعماره. ويجب ألا تتحمل واشنطن العبء الدبلوماسي بمفردها في هذا المجال كما حدث حتى الآن. لقد أضاع نوري المالكي، مصداقية العراق في الحقل السياسي العربي ولم يعد قادراً على استردادها. بالإضافة لذلك، فإن العراق يحتاج إلى أن يكون أكثر ثقة وحزماً في مخاطبة إيران ومطالبتها بضرورة العمل على إيقاف تدخلها في الشؤون العراقية وفي إقناع سوريا بلعب دور أكثر إيجابية في حل أزمته. - يجب أن يكون العراق دولة موحدة ومستقلة وفيدرالية... كما يجب علينا أن نعمل على تعزيز المؤسسات الجهوية الداخلية على حساب السياسات الطائفية، وعلى حساب بغداد التي تستأثر بمعظم السلطة والنفوذ. كما يجب أن يكون الدين قوة توحيد لا قوة تقسيم في العراق، بشكل يدعو العراقيين، من السنة والشيعة، إلى الاعتزاز بهويتهم الإسلامية، وأن يعرفوا أنه عندما تطغى الطائفية الدينية على السياسة، فإن الإرهابيين والمتطرفين سيكونون حينئذ هم الرابحين الوحيدين. - إن المصالحة الوطنية تتطلب التزاماً عاجلاً بالاعتدال، وبإنهاء العنف الطائفي، من خلال إدماج جميع العراقيين في العملية السياسية. ويجب علينا في هذا السياق، أن نعترف بضرورة وأهمية مساهمة الأكراد وحكومة كردستان الإقليمية في مستقبل العراق الديمقراطي. إن المصالحة تتطلب اشتباكاً فعالاً من قبل الشخصيات الشيعية والسنية الدينية والسياسية البارزة في العملية السياسية. وقد عطل المالكي في شهر مارس الماضي، تمرير تشريع مقترح بإلغاء عملية "استئصال البعث"، وهو مقترح يجب تمريره فوراً. - لقد أصبح الاقتصاد العراقي معوَّقاً بسبب الفساد وغياب الأمن. لذلك يجب التأكيد على ضرورة استعادة خدمات البنية التحتية الأكثر أهمية، وأن نعرف أنه لا يمكن حدوث تنمية اقتصادية قابلة للنمو والتطور، بدون وجود كهرباء، ومياه شرب نقية، ورعاية صحية أساسية، وأن العراق مستقبَلاً سيكون بحاجة إلى بناء اقتصاد يقوم على السوق الحرة، ويلعب فيه القطاع الخاص دوراً بارزاً. - لقد فات أوان إمكانية إحداث تغيير في قمة الحكومة العراقية. وبدون هذا التغيير فإن النجاح لن يكون من نصيب أي استراتيجية عسكرية أميركية، أو أي انسحاب عسكري منظم، وهو ما سيترك العراق والمنطقة بالتالي في حالة من الفوضى الشاملة. رئيس وزراء العراق المؤقت 2004-2005 ينشر بترتب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"