إذا كان بعضهم قد حاول أن يتخذ من تحرّكات دولة الكويت بشأن سياستها النقدية آلية لاستكشاف تحرّكات "مصرف الإمارات المركزي" في هذا الخصوص، فإن التجربة الكويتية، حتى إذا أثبتت نجاحها محلياً، لا يمكن بأي حال الأخذ بها في دولة الإمارات، وذلك لاختلاف تركيبة الاقتصاد المحلي والتجارة الخارجية في الدولتين، ومن ثم دوافع ومبرّرات تغيير السياسة النقدية، في أي من البلدين. فرغم أن "المصرف المركزي الكويتي" يحرص على سريّة مكوّنات "سلّة العملات" التي يرتبط بها الدينار الكويتي، فإن الدولار لا يزال يأخذ حيّزاً كبيراً من مكوّنات هذه السلّة، حيث يبدو ذلك نسبياً من خلال حالة الاضطراب التي لازمت العملة الكويتية مؤخراً، كما يبدو ذلك أيضاً من خلال عدم انخفاض معدّلات التضخّم رغم تغيير السياسة النقدية، ما يعني في المحصلة أن تركيبة سلّة العملات الكويتية لا تعكس السعر الحقيقي للعملة المحلية. بخلاف الحالة في الكويت التي تعاني التضخّم المستورد من خلال تجارتها الخارجية بسبب انخفاض قيمة الدولار، فإن تأثير انخفاض قيمة الدولار أو ارتفاع قيمة العملات الأخرى في التضخّم الإماراتي يظلّ ضمن نطاق محدّد، حيث يرتبط في الجانب الأكبر منه بتطوّرات متباينة في مقدّمتها ارتفاع الإيجارات وأسعار العقارات في السوق المحلية. كما بدأت الإمارات تنتهج سياسة ناجحة للحدّ من وطأة التضخّم المستورد، من دون أن تلجأ إلى تغيير السياسة النقدية، وذلك من خلال تحوّلات هيكلية وجغرافية ذكية في خريطة التجارة الخارجية. وهكذا، رغم الضغوط التي يمكن أن يحدثها انخفاض قيمة الدولار على الحركة الاقتصادية في الإمارات، فإن الاستجابة لمطالب رفع قيمة الدرهم مقابل الدولار، لن تؤثر كثيراً في التخفيف من حدّة التضخّم في السوق المحلية، بل إن من شأن أي خطوة في هذا الاتجاه أن تتسبّب في انخفاض مباشر في القدرة التنافسية للصادرات الإماراتية غير النفطية، وفي الوقت نفسه تزيد من القيمة "الحقيقية" لمدخلات الإنتاج، خاصة المستوردة منها، بما في ذلك الأجور والمرتبات، كما تزيد كذلك التحويلات الخارجية، بالنسبة نفسها، بينما تظل القيمة الفعلية لإيرادات النفط من دون تغيّر، إذ إنها مقوّمة بالدولار. وبذلك، فإن تقويم الدرهم بأقل من قيمته بمستوى "معقول" يعدّ أمراً جيداً لمنافسة الصادرات وإعادة الصادرات غير النفطية، كما أن انخفاض قيمة الدرهم ليس شراً كله، بل إن العديد من القطاعات الاقتصادية تستفيد من هذا الانخفاض. رغم كل ذلك، فإن اتخاذ أي قرار بتعديل قيمة الدرهم مقابل الدولار، بأي نسبة كانت، يتطلّب دراسات فنية شاملة تتناول المكاسب والخسائر التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الخطوة، ومن خلالها يمكن حسم الغموض الذي يكتنف هذا الملف، الذي أصبح مصدر تكهّنات للعديد من الدوائر والمؤسسات الإقليمية والأجنبية مؤخراً. فالدرهم الإماراتي يمرّ حالياً بواحدة من أكثر المراحل صعوبة، إلا أن البحث في مستقبل العملة المحلية عملية بالغة التعقيد من الناحية العملية، وإن القرار بشأنها يعدّ من أصعب القرارات، حيث يتطلّب ذلك موازنة دقيقة لسلبيات وإيجابيات أي خطوة في هذا المضمار مهما كانت صغيرة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية