ذكرت في هذه المساحة، في مقال سابق، كيف أن السيناتور فاندنبورغ نصح الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان بـ"بث الذعر في البلاد" من أجل تأمين دعم الكونجرس لـ"عقيدة ترومان" -أي السياسة التي التزمت الولايات المتحدة بموجبها بمحاربة التهديدات الشيوعية "المباشرة" و"غير المباشرة" للحكومات الموالية للغرب عبر العالم. أما جورج بوش، فحين وضع العقيدة الخاصة به قدم رؤية قاتمة لعالم يقسِّمه الإرهاب: "إما أنكم معنا، أو أنكم مع الإرهابيين". ومن أجل تسويق عقيدته للبلاد، اعتمد بوش، بطريقة تذكّر ببعض تقاليد أحلك أيام الفترة "المكارثية"، على استراتيجية خوف حرَّفت الأدلة و"عدلت الحقائق حتى تناسب السياسة"، مثلما كشفت لاحقاً مذكرة "10 داونينج ستريت". تم تطبيق استراتيجية الخوف هذه بشكل ممنهج منذ اللحظة التي قرر فيها بوش إعلان الحرب على العراق؛ ونعرف من مسؤولين سابقين في إدارة بوش أن هذا الأخير قدِم إلى السلطة عاقداً العزم على إيجاد عذر يبرر به تصميمه على إعلان الحرب على العراق. وفي هذا الإطار، قال كاتب خطابات بوش السابق، ديفيد فرام، إنه تلقى تعليمات بعد حرب أفغانستان في ديسمبر 2001 بإيجاد تبرير للحرب مع العراق يمكن لبوش أن يستعمله في الخطاب حول "حالة الاتحاد" في يناير 2002. (ذا نيوريبابليك، 30 يونيو 2003). وهكذا، قالت إدارة بوش إن صدام حسين لا يتوفر على أسلحة دمار شامل فحسب، وإنما يسعى جاهداً أيضاً إلى تطوير أسلحة نووية؛ حيث زعم بوش في خطابه أمام الكونجرس أن صدام حسين حاول الحصول على اليورانيوم من النيجر من أجل برنامج أسلحته النووية. وحتى حين خلص مبعوث واشنطن إلى النيجر -السفير جوزيف ويلسون- إلى أن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة، وتوصلت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" التابعة للأمم المتحدة إلى الاستنتاج نفسه، استمرت إدارة بوش في هذه المزاعم الباطلة. وقال السفير ويلسون لاحقاً إن إدارة بوش "كانت تعلم أن قصة النيجر محض كذب". وقد شارك في استراتيجية استثمار الخوف هذه وزير الخارجية كولن باول أيضاً عندما كرر الادعاءات نفسها في الأمم المتحدة في فبراير 2003، قبل أن يقر في وقت لاحق بأن ذلك شكل "نقطة متدنيَّة" في مشواره المهني. إلى ذلك، تم التغاضي عن دليل يفنِّد مزاعم الإدارة مرة أخرى حين أكد سكوت ريتر، الرئيس السابق لفريق مفتشي الأسلحة التابعة للأمم المتحدة خلال الفترة ما بين 1991 و1998، في مناسبات عدة أن نظام تفتيش الأسلحة جرَّد العراق من الأسلحة المحظورة (بوسطن غلوب، 20 يوليو 2002). غير أن البيت الأبيض استمر رغم ذلك في ادعاءاته بشأن ما يفترض أنها تهديدات بالنسبة لأمن الولايات المتحدة. ولدعم سياسة الخوف التي تعتمدها، أطلقت إدارة بوش حملة دعاية قوية: "بدأ الحملةَ البيتُ الأبيض الذي شكل لجنة سرية بُعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر بهدف تنسيق العمليات الإعلامية بين البنتاجون، ووكالات حكومية أخرى، ومتعاقدين خواص". (نيويورك تايمز، 10 ديسمبر 2005). وإلى ذلك، شكل مسؤولو البنتاجون في أواخر 2001 وحدة سرية تدعى "مكتب التأثير الاستراتيجي"، أنيطت بها مهمة القيام بـ"عمليات التضليل الإعلامي عبر بث أخبار زائفة في وسائل الإعلام وإخفاء مصادرها" (مجلة رولين ستون، 27 نوفمبر 2005). كما قامت سياسة الخوف التي تتبناها إدارة بوش على ادعاء أن للعراق علاقات بتنظيم "القاعدة"، حيث قال بوش في سينسيناتي في أكتوبر 2002: "لقد علمنا أن العراق يدرب أعضاء من القاعدة على صنع القنابل والسموم والغازات". وقد كانت تكتيكات وبروباغندا الخوف التي ينتهجها بوش ناجحة جداً؛ ذلك أنه حتى بعد غزو العراق في 2003، وتبيُّن زيف المزاعم حول أسلحة الدمار الشامل العراقية وصلة العراق بـ"القاعدة"، فإن أغلبية من الأميركيين استمرت في تصديق الدعاية الفجة على يبدو، وهو ما يفسر استمرار بوش حتى اليوم في الإشارة إلى الادعاءات الباطلة. إذ يستميت بوش، الذي يواجه عزلة متزايدة وانقساماً داخل حزبه، في وقت تتزايد فيه الأدلة على الشلل العسكري في العراق، في التشبث بسياسة استثمار الخوف، ويستمر في تبرير الحرب في العراق باعتبارها حرباً ضد "القاعدة". وفي هذا السياق، قال بوش في مؤتمر صحافي في الحادي عشر من يوليو إن على الولايات المتحدة أن تزيد مشاركتها العسكرية في العراق من أجل هزيمة القاعدة والمتطرفين. (نيويورك تايمز، 12 يوليو 2007). كما استمر في ربط الحرب في العراق بمأساة الحادي عشر من سبتمبر حيث قال إننا نحارب في العراق الأشخاص أنفسهم "الذين هاجمونا في أميركا في الحادي عشر من سبتمبر" (نيويورك تايمز، 12 يوليو 2007). وقال لاحقاً إن مغادرة العراق بدون هزيمة "القاعدة" ستكون "أمراً خطيراً بالنسبة للعالم وكارثياً بالنسبة لأميركا" (نيويورك تايمز، 24 يوليو). علاوة على ذلك، أعلنت الإدارة مؤخراً عن اعتقال أكبر زعيم عراقي لـ"القاعدة في بلاد الرافدين" في الرابع من يوليو، قائلة إنه أخبر المحققين الأميركيين بأن "القاعدة في بلاد الرافدين" تتأثر بأسامة بن لادن بشكل مباشر. والحال أن المتحدث العسكري الأميركي أعلن أن العميل العراقي الذي تم اعتقاله أخبر مستنطقيه الأميركيين بعكس ذلك إذ قال "إن المنظمة التي تتزعمها القاعدة ليست سوى واجهة وزعيمها شخصية خيالية" (نيويورك تايمز، 18 يوليو 2007). ومن جانبهم، ندد ناشرو صحيفة "نيويورك تايمز" بسياسة استثمار الخوف، مشيرين إلى أن رسالة إدارة بوش إلى الشعب الأميركي مازالت "ومثلما كانت دائماً: خافوا؛ ولا تشككوا في الرئيس" (18 يوليو 2007). غير أن الواقع يشير إلى أن الشعب الأميركي يشكك في الرئيس والكونجرس؛ فقد أظهر استطلاع للرأي مؤخراً أن "معظم الناخبين الأميركيين يرون أن البلد يمضي في الطريق الخطأ، ومستاؤون جداً من الرئيس جورج بوش والكونجرس" (نيويورك تايمز، 18 يوليو 2007). وقد تجسدت هذه الخلاصة خلال جلسة للكونجرس مع السفير الأميركي في العراق عبر الفيديو. فعندما انقطع الاتصال للحظة، قال السيناتور جوزيف بايدن في المايكروفون: "هل تسمعين مجلس الشيوخ الأميركي يا بغداد؟"، بعد ذلك، تعالى صوت من القاعة وقال: "هل تسمع الشعب الأميركي يا مجلس الشيوخ؟" (نيويورك تايمز، 20 يوليو 2007).