بين الفترة والأخرى نفرح كتربويين بالإعلان عن خطط طموحة لوزارة التربية والتعليم تريد الوصول بالتعليم إلى مصاف الدول المتقدمة، لأننا في الإمارات، ولله الحمد والمنة، وصلنا إلى مستويات عالمية في أمور كثيرة كالاقتصاد، لكننا في التعليم مازال أمامنا درب طويل كي نقطعه. في الحقبة الماضية من عمر الدولة، كان التركيز منصباً على التوسع الأفقي للتعليم، وقد تحقق لنا ذلك، فلم يبق جزء من الوطن قرُب أم بعُد عن المركز إلا وناله حظه من التعليم، وبعد أن نجحنا في التوسع الأفقي وتعميم التعليم بدا سؤال الجودة يطرح نفسه: فهل مخرجات التعليم اليوم هي ما نريد؟ يأتي الجواب بكل وضوح كلا، لأن متطلبات سوق العلم والتعليم العالي قد تغيرت، وهذا ما يدفع إلى تلمس الطريق نحو تربية حديثة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، فنحن لا نريد أن نكون نسخاً من الآخرين وفي الوقت نفسه، نريد أن ننجح في سوق العمل العالمي المحيط بنا فمن أين نبدأ؟ لو طرحت هذا السؤال على المتخصصين في التعليم حول العالم فسيقولون لك: إن نقطة الانطلاق الأساسية في إصلاح التعليم تكمن في الأهداف، التي لو عرفناها فإننا سنتمكن من تقويم الواقع ثم الانطلاق منه لإصلاح الخلل، وبعد ذلك نضع البرامج والخطط التي تعين على تحقيق هذه الطموحات. إذا كانت هذه النقطة حساسة ومهمة لهذه الدرجة، فمن يحدد الأهداف في تربيتنا؟ الجواب مجهول بالنسبة لي، ربما يكون المسؤولون في وزارة التربية والتعليم يشكلون الجهة المخولة والمتخصصة في الإجابة على هذا السؤال، لكن دعوني أقلْ لكم ما هو الأقرب للصواب في تصوري. كي نبني أهداف التعليم المستقبلية في دولة الإمارات، نحن بحاجة إلى لجنة وطنية للتربية والتعليم، هذه اللجنة يكون بعض المسؤولين في الوزارة أعضاء فيها، لكنها تضم بعض أرباب العمل والمثقفين، إضافة إلى بعض أصحاب العقول التي تنجح في استشراف المستقبل، مهمة هذه اللجنة الوطنية حساسة وخطرة في نفس الوقت؛ فهي التي تخطط مستقبل الوطن، فمن يحدد أهداف التربية والتعليم يرسم صورة مستقبلية للوطن والمواطن، فالطفل الذي يلتحق برياض الأطفال اليوم، ينبغي أن تكون الصورة واضحة للتربويين، حول الكيفية التي نريده بها بعد أربعة عشر عاماً من التعليم... هكذا يخطط الناس لمستقبل التعليم في الدول المتقدمة، والتي نجحت في قيادة العالم، فالمهمة أكبر من أن يرسمها مسؤول في وزارة التربية والتعليم معرض لترك منصبه في أي لحظة. وفي تصوري هذا جانب من الخلل الذي نعاني منه في وطننا الإمارات، فمع تغير المسؤول تتغير توجهات الوزارة، ومن ثم تعدل المناهج وطرق التدريس والامتحانات وفق هذا الرأي الجديد، وقبل أن تنفذ الخطط والبرامج الجديدة، يتغير هذا المسؤول ويأتي رجل آخر له رأيه الخاص فيعلن أنه على الدرب ماض، وأن ما قام به سلفه محور للتطوير لن يستغنى عنه، ولكننا نعلم علم اليقين أن كل خطط السابق يكون لها مكان في متحف التعليم، كي يتاح المجال لخطط وبرامج جديدة، تشرق من حولنا، وهكذا يرتبك الميدان مع كل تشكيل جديد للحكومة. الأهداف التربوية هي محور التطوير ولها لجانها الدائمة والاستراتيجية في الدول الراقية، هذه الأهداف لا تمس إلا في ظروف محددة تقتضيها بعض الأمور التي منها تغير طبيعة المجتمع والتحديات التي تواجهه، فمع تطور التحديات نهتم بالنظر للأهداف التربوية كي تكون مناسبة لهذه التحديات. ومن العوامل المؤثرة في بناء وتطوير الأهداف التربوية، تأتي طبيعة المتعلم وحاجاته، فطالب اليوم ليس كما هو عليه بالأمس، وطموحات ورغبات وحاجات الدارس تتكيف مع الزمن الذي يعيش فيه، وعليه ينبغي الانتباه لذلك ونحن نخطط الأهداف، وأهم مما سبق تأتي فلسفة المجتمع وهويته، نعم للاقتصاد دور في بناء الأهداف التربوية، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب هوية الوطن وإلا كان الناتج مواطناً لا هوية له ولا انتماء.