مارك ترامبل ------------------- عملية سحب ملايين اللُّعب القادمة من الصين من الأسواق الأميركية هذا الأسبوع ليست أمراً بسيطاً أو هيناً لا يستحق التوقف، بل يثير من جديد السؤال حول ما إن كانت الشركات تقوم بما يكفي لضمان سلامة المنتجات في عهد التصنيع المعولم هذا. تعد "ماتل" أكبر شركة للُعب الأطفال في الولايات المتحدة، وهي شركة لها معايير وقواعد لمراقبة الجودة وضمانها. وخلافاً للعديد من شركات صناعة لعب الأطفال، تملك "ماتل" بعضاً من مصانعها في الصين وتديرها. ومع ذلك، فقد شُرع منذ الثلاثاء الماضي في سحب 18 مليون لعبة مصنوعة في الصين من السوق. وهو ما دفع العديد من المستهلكين إلى التساؤل: إذا كان حدوث أمر من هذا الحجم ممكناً مع هذه الشركة، فعلى من يأتي الدور في المستقبل؟ وعلى هذه الخلفية، وبينما يزداد القلق بخصوص سلامة المنتجات هذا العام، اتخذت شركات لعب الأطفال بالولايات المتحدة جملة من التدابير الاحترازية والدفاعية من قبيل إعادة تصميم المنتجات، وإعادة تسميتها، وتكثيف عمليات مراقبة الجودة. وبالرغم من كل ذلك، فإن عمليات سحب المنتجات من الأسواق تهدد بالتأثير سلباً على مبيعات الألعاب في موسم العطلة الحالي. وإضافة إلى ذلك، تواجه الصين أيضاً تحدياً كبيراً على صعيد العلاقات العامة على اعتبار أن أحداث هذا العام تُضاف إلى سلسلة من الأخبار غير السارة المرتبطة بسلامة المنتجات. ومع ذلك، فإن انخفاض كلفة الإنتاج في الخارج يبقى أساسياً ومهماً جداً بالنسبة للشركات. والسؤال لا يتعلق بالتوفر على سلسلة إمداد واسعة من عدمه، وإنما بكيفية إدارتها. وفي هذا الإطار، يقول "إيريك جونسون"، الأستاذ بكلية التجارة بجامعة "دارتماوث كوليدج" في هانوفر بولاية نيو هامبشر: "إن سلاسل الإمداد تزداد تعقيداً؛ وبالتالي، فإنها تتطلب مقاربات جديدة" لمراقبة الجودة، مضيفاً أن "المشكلة بالنسبة للشركات المتعددة الجنسيات العاملة هناك هي كيفية إدارة من يُموِّن المموِّن؟". كما يرى جونسون أن حقيقة أن تقع "ماتل" في المشكلة إنما يعكس الصعوبات التي تواجهها كل القطاعات إذ يقول: "شخصياً، أعتبرها من أفضل الشركات" في قطاع لعب الأطفال، مضيفاً "لقد كانت في الصين قبل أن تصبح الصين جذابة بالنسبة للشركات الأجنبية"، وتدير عدداً من منشآتها هناك. والحال أن عملية تجميع المنتج ليست الوحيدة التي تجرى في البلدان النامية مثل الصين، وإنما أيضاً إنتاج المواد التي تدخل في تصنيعها مثل الأصباغ. ذلك أن من أسباب سحب اللعب إقدام شريك "ماتل" على تغيير الشركة التي تبيعه عادة الأصباغ؛ ونتيجة لذلك، توصل بأصباغ تحتوي على الرصاص. وفي هذا السياق، أوضحت "ماتل" في البلاغ الذي أصدرته ودعت فيه إلى سحب منتجاتها من السوق أنه "كان من المفروض أن تستعمل الشركة المتعاقد معها، صبغاً توفره (شركة تحددها "ماتل")؛ ولكن بدلاً من ذلك، خرقت هذه الشركة المعايير التي تعتمدها "ماتل" واستعملت أصباغاً توفرها شركة أخرى غير مرخص لها". وقد زادت عملية سحب اللعب من القلق من إمكانية أن تطرح الشركات الصينية المتعاقد معها خطراً على سلامة المنتجات، ولاسيما أن لعب شركة "ماتل" لم تكن وحدها موضوع حديث وسائل الإعلام الأميركية، وإنما شمل أيضاً معاجين الأسنان، وأغذية الحيوانات الأليفة، وإطارات السيارات المصنوعة في الصين. ومما يذكر هنا أن "لجنة سلامة المستهلك" الأميركية كانت قد أعلنت عن عدد قياسي من عمليات سحب المنتجات التي يشوبها عيب ما في 2006؛ وقد تزامن هذا الأمر مع كم قياسي من الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة. إلى ذلك، أدلى "دونالد ميز"، الخبير في سلامة المنتجات بـ"نقابة المستهلكين"، الشهر الماضي بشهادة أمام لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي قال فيها: إن المنتجات الصينية تمثل اليوم نحو 60 في المئة من مجموع المنتجات التي يجري سحبها من الأسواق، و"إننا نعتقد أنه لا بد من أن تكون المسؤولية عن السلامة مرتبطة بكل حلقة من حلقات سلسلة الإمداد"، مضيفاً "ينبغي أن يتحمل هذه المسؤولية كل من المنتجين والمستوردين والموزعين والبائعين، إضافة إلى الوكالات الحكومية التي تسهر على ضمان احترام سلامة المنتجات". بيد أن الخبراء في التصنيع المعولم يقولون: إن المشكلة ليست حكراً على الصين؛ إذ يقوم المنتجون، في قطاع لعب الأطفال مثلما في غيره من القطاعات، بتحديد أماكن الإنتاج في الكثير من البلدان حيث الكلفة منخفضة وحيث يمكن لمشاكل مشابهة أن تحدث. وفي هذا السياق، يقول "دونالد روزنفيلد"، من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا: "إن الأمر يعزى في المقام الأول إلى طول وتشعب سلسلة الإمداد"، مضيفاً "غير أنه مما لا شك فيه أن ثمة أموراً سيئة تجري في الصين". فقد بات القلق المتزايد بخصوص سلامة المنتجات جزءاً من جدل أكبر في الكونجرس حول العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومن ذلك ما يعتقد أنه تلاعب بالعملة من قبل الصين، ومساعدات غير قانونية، وانتهاك الحقوق الفكرية. واللافت أن المشكلة تفاقمت إلى هذا الحد بعد سنوات من النمو السريع للإنتاج الصيني. وفي هذا الإطار، يقول "روبرت سكوت"، الخبير الاقتصادي بـ"معهد السياسة الاقتصادية" في واشنطن: "إن أصل المشكلة هو هذه الزيادة الهائلة في الواردات"، مضيفاً أن "على الشركات أن تستثمر أموالاً طائلة في اختبار هذه المنتجات"، ولكنها إلى حد الآن لم تقم بما يكفي من ذلك، كما يقول. كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"