أتابع منذ فترة، حديث الناس عن مشكلة الغلاء وشكواهم المُرة من آثار هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار، والذي طال جميع جوانب الحياة المعيشية ولم يرحم حتى السلع الأساسية التي لا يستطيع المواطن الفقير الاستغناء عنها، إلى درجة أن أحدهم وصف هذه المعاناة قائلاً: إنها حجمت اهتماماته وتطلعاته وحصرت تفكيره في تدبير المعاش اليومي. ويحتج المدافعون عن الغلاء بأنه جاء نتيجة مجموعة من الأسباب أهمها؛ زيادة أسعار البترول، وزيادة تكلفة استيراد المواد الاستهلاكية، وارتفاع تكاليف شحن المواد، وزيادة معدلات التضخم، وارتباط الدرهم بالدولار، ووجود سلع عالمية لا يمكن التحكم بأسعارها، فضلاً عن المتغيرات الاقتصادية والسياسية في العالم عامة والمنطقة العربية خاصة. وتلك هي الأسباب التي عادة ما يحتج بها المدافعون عن ارتفاع في الأسعار، وهي فعلاً ذات تأثير لا يمكن إنكاره، لكنها لا يصح أن تكون شماعة لكل من يريد التلاعب بالأسعار. إن سياسة السوق الحر، وضعف الرقابة، وانسحاب الدولة من مجالات إنتاجية وخدمية عديدة، وكذلك تسارع مشاريع العمران في الدولة... هي جملة أسباب شجعت بعض التجار الأجانب على التلاعب بالأسعار، وكأن العملية لا تحكمها قوانين، حيث لا تتم مراعاة الأبعاد الاجتماعية والأمنية والإنسانية وتأثيراتها على المجتمع. وهناك بعض التداعيات المرتبطة بالغلاء، يجب الانتباه إليها قبل أن تتحول إلى مشكلة دائمة وخطيرة تؤثر على نسيج المجتمع الإماراتي. ومن تلك التداعيات؛ ارتفاع حالة الاستدانة من البنوك لمسايرة الغلاء، والأمراض النفسية والصحية التي قد تظهر عند البعض، خاصة من محدودي الدخل، نتيجة شعورهم بأنهم "مقهورون" تجاه أسرهم، إضافة الى تآكل الطبقة الوسطى، وهي صمام أمن المجتمع وعموده الفقري، لكنها قد تلتحق بطبقة الفقراء وذوي الدخل المحدود. كما يؤدي الغلاء إلى تزايد حالات الطلاق بين المواطنين، وحسب المختصين في محاكم الدولة، فإن المشكلات المالية كثيراً ما كانت السبب وراء العديد من حالات الطلاق. أضف إلى ذلك تآكل ثقافة الادخار وارتفاع معدلات السرقة والتفكك الأسري بين المقيمين في الدولة. وأخيراً انخفاض معدلات الإنجاب والإقبال على الزواج، بسبب شعور المواطنين بأنهم أرهقوا مادياً. علينا أن نسيطر على هذا الغلاء الفاحش قبل أن يستفحل خطره على المجتمع، وأن نجد له حلولاً أخرى غير زيادة الرواتب، لأن كل زيادة سوف ترافقها زيادة أخرى في سعر كل شيء. علينا أن نضع استراتيجية واضحة لعلاجه وقوانين صارمة تحد من جشع التجار، وأن تتم تقوية وتفعيل دور وزارة الاقتصاد وجمعية حماية المستهلك، لتقوما بالتصدي لهذا "الغول" أو الوحش الذي أصبح يخيف الإنسان الإماراتي ويفزعه.