لا شك أن هناك العديد من الأطراف مسؤولة عن المشكلة السعرية التي تعيشها أسواق الدولة في الآونة الأخيرة، إلا أن جانباً كبيراً من هذه المشكلة ناتج عن غياب الضوابط والإجراءات الصحيحة لمعالجة المشكلة من أساسها. إن إدارة حماية المستهلك والجهات المعنية الأخرى لا تزال تقف عاجزة تماماً عن ضبط الأسعار، والنظر في مبررات الزيادة بموضوعية، حتى يتسنى لها وضع الضوابط الكفيلة بمواجهة مثل هذه القضايا، وحتى لا يتحمل المستهلك زيادات إضافية في الأسعار غير مبررة، وحتى لا يتحمل المنتج المحلي من جانبه تكاليف إضافية بالإمكان تجاوزها أو تحجيمها. إن هذه الجهات لا تفتقر إلى التشريعات والضوابط القانونية اللازمة في هذا الخصوص، إذ إن قانون حماية المستهلك يمنح وزارة الاقتصاد الحق في اتخاذ الإجراءات التي من شأنها الحد من حدوث أي زيادة غير طبيعية في الأسعار وحماية مصالح المستهلكين وعدم الإضرار بهم، بل إن هذا القانون متقدم على كل القوانين المتبعة في الدول العربية الأخرى التي لديها قوانين مماثلة، حيث يكفل هذا القانون الإماراتي حقوق جميع الأطراف بما في ذلك التاجر أيضاً، ما يجعله من الشمول بحيث يمكن من خلاله ضبط تحركات جميع الأطراف ومراقبة تطورات الأسعار والعمل على تحقيق المنافسة العادلة وصيانة حقوق المستهلكين. إلا أن مهام حماية المستهلك لا تنحصر في مراقبة الأسعار فقط أو رصد الارتفاع العشوائي فيها، إذ إن هناك حقوقاً كثيرةً للمستهلك لا تزال متآكلة. ففي ظل فوضى الأسعار والمواصفات التي تنتاب السوق حالياً، فإن الكثير من التجار والمنتجين يتجاوزون ويتفردون في طرح المنتج الذي يريدونه وبالسعر الذي يريدونه. بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك في غش المستهلك والتغرير به، حيث بدا ذلك واضحاً من خلال تصريحات بعض الجهات المسؤولة مؤخراً بأن "الصنابير" هي مصدر المياه لمعظم شركات المياه المعبأة في الدولة، بينما تقوم هذه الشركات بتوزيع مياهها على المستهلكين باعتبارها مياهاً من مصادر طبيعية، وتضع على عبواتها صوراً مضللة مثل الشلالات والينابيع وغيرها. وفوق كل ذلك رفضت بعض هذه الشركات الامتثال لتوجيهات وزارة الاقتصاد، مؤخراً، وأصرت على رفع أسعارها بنسب متفاوتة وصلت في بعضها إلى أكثر من 28%. إن العديد من المنتجين الذين يبدو في ظاهر الأمر أنهم يستجيبون لمطالب وزارة الاقتصاد بعدم رفع الأسعار، هم في واقع الأمر يذهبون إلى أكثر من ذلك من خلال التلاعب في الأوزان والمواصفات وأحجام العبوات. ففي ظل سياسة السوق المفتوحة، التي تسمح لكل تاجر بإدخال سلعته، وغياب الرقابة، أصبح الغش التجاري أكثر انتشاراً. ثمة سلع مقلدة أو مغشوشة يتم ضبطها من حين لآخر ومنتجات يحاول البعض تزوير تاريخ إنتاجها وانتهاء مدة صلاحيتها بأبسط السبل، طالما ظلت تلك المعلومات تدوّن على ملصقات ورقية من السهولة نزعها وإلصاق غيرها على العبوات والمنتجات، في حين تقتضي أصول السلامة الصحية وشروط التصنيع تدوين تلك المعلومات على العبوة مباشرة. وفي ظل افتقار الجهات المعنية للآليات والضوابط الكفيلة بوقف أي مبالغات في الأسعار، وتحقيق التوازن المناسب ما بين مصلحة التاجر والمستهلك، في ضوء مؤشرات اقتصادية واضحة ومحددة، أو التلاعب بالمواصفات... أصبح المستهلك هو من يتكبد بنفسه عناء البحث عن الجودة بين ركام الغش التجاري والتقليد. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية