المتابع لأخبار الصحف المحلية ومنذ فترة طويلة مضت يلحظ أنه لا يمر يوم من دون أن يرد خبر عن ارتفاع في أسعار سلعة من السلع الأساسية. خلال الفترة الماضية ارتفعت أسعار الخبز والمياه والوقود وطائفة كبيرة من المواد الغذائية الأساسية، فيما تؤكد المعطيات على أن هذه الزيادات لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستعقبها زيادات أخرى. فالاتجاه العام يؤشر إلى أنه لا أمل في تراجع الارتفاع المتفاقم للأسعار، الذي تتشعب جوانبه باستمرار وتتعدد أسبابه داخلياً وخارجياً. إن محاولة وزارة الاقتصاد تبرير موجة الغلاء الحالية بأنها موجة عالمية، وأنها مرتبطة بتطورات خارجية، هو العذر الذي يتذرع به التجار اليوم، إلا أنهم وفي ظل افتقار الجهات المسؤولة لأي معايير علمية للحكم على مقدار الزيادة التي تفرضها هذه التطورات، فإنهم يذهبون كثيراً في رفعهم للأسعار. إن الزيادة في أسعار السلع والخدمات في الأسواق المحلية يحكمها أكثر من متغير، بينما تلعب الزيادة في أسعار بعض السلع والمنتجات الاستراتيجية، خاصة الوقود والإيجارات، والضغوط المتزايدة على الطلب المحلي، وانخفاض قيمة العملة المحلية المرتبطة بالدولار، جميعها متغيرات تدفع باستمرار زيادة أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية. بافتراض أن الزيادة في الأسعار مبررة ولا بد منها، فإن مقدار هذه الزيادة ونصيب أي من التجار الموردين والموزعين من هذه الزيادة هو ما يهيئ السوق لقبول زيادات عشوائية وغير معقولة في الأسعار. في ظل هذه الفوضى، تظهر قوائم الأسعار اليومية تفاوتاً كبيراً في الأسعار من محل تجاري إلى آخر ومن جمعية تعاونية إلى أخرى، حيث يمكن للمستهلك أن يتحصل بسهولة على السلعة نفسها بأقل من نصف سعرها أو بأكثر من ضعفه، فقط بتغيير المصدر أو المحل الذي يشتري منه داخل الإمارة الواحدة. ولا يبدو أن الاختلاف في مستويات الإيجار وغير ذلك من تكاليف العمل التجاري يمكن أن تبرر هذا الفرق الشاسع، ما يعني أن زيادة الأسعار تتم بصفة عشوائية ومن دون أي مبررات منطقية يفرضها واقع التكلفة الإنتاجية الحقيقية. وفي خضم هذه الفوضى تضيع الحقيقة المجردة بشأن الزيادة في الأسعار، وتتشتت المسؤولية، ما بين التجار والموردين والموزعين والمنتجين، حيث الكل يلقي باللائمة على الآخر، بينما تكتسب الأسعار باستمرار موجات جديدة متصاعدة، وفي طريقها إلى مستويات غير مقبولة، إذ إن أي توقعات بانحسار هذه الموجة خلال هذا العام تفقد مصداقيتها، في ظل العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي لا تزال تغذي هذه الموجة. وأمام هذه الموجة، فإن المستهلكين لا يزال موقفهم سلبياً لحد بعيد، إذ أنهم يتهافتون بشكل غير منظم على الشراء، ما يزيد الطلب وبالتالي التصاعد التدريجي للأسعار، وسط حالة من الإرباك تعمّ المستهلكين بسبب غياب الوعي الاستهلاكي، وهيمنة العقلية الاستهلاكية التي تتعامل مع الواقع وإفرازاته كما هو في أي وقت من الأوقات، دون التحرك الجاد للانفكاك من فخ الاستهلاك، وفي خضم الدعاية التي تروج بها الشركات والمحلات التجارية لبضائعها، والأساليب المتباينة والمتجددة التي تتبعها في إغراء الزبائن بمزيد من الشراء. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.