يعقد مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الأفريقي، اليوم، اجتماعاً خاصاً لمناقشة الأزمة المستعصية التي تشهدها جزر القمر منذ أكثر من شهرين، إذ يواجه رئيسها تمرداً داخلياً لم يفلح في حسمه عسكرياً، كما أخفقت كل الوساطات الرامية إلى حله. ففي جزيرة أنجوان، وهي ثاني أكبر جزيرة في الأرخبيل المكون من ثلاث جزر، نصّب العقيد محمد بكار نفسه حاكماً لها في ولاية ثانية، بناء على نتائج انتخابات مشكوك فيها، معلناً تحديه لرئيس الجمهورية أحمد عبدالله سامبي، الذي يجد نفسه الآن أمام أكبر اختبار منذ توليه مقاليد السلطة في جزر القمر أواسط العام الماضي. فمن هو الرئيس القمري؟ وما هي التحديات التي تواجه إدارته؟
يعد أحمد عبدالله سامبي أول معمم يترأس جهورية جزر القمر الاتحادية الإسلامية، وهو من مواليد عام 1961 في جزيرة أنجوان، ويعرف عنه تكوينه الديني وتوجهاته الإسلامية. فقد درس على أيدي العلماء القمريين، ثم سافر الى السعودية واستكمل تعليمه في الجامعة الإسلامية بين عامي 1973 و1981، وبعدئذ التحق بكلية الشريعة في جامعة طهران، قبل أن يتلقى دروساً في الحوزات الدينية بـ"قم". وإثر عودته إلى جزر القمر عام 1986، اشتغل سامبي بالعمل الدعوي والتعليمي، فأنشأ مدارس لتعليم القرآن في جزيرة أنجوان، وكان أيضاً رجل أعمال ناجحاً؛ فاشتغل بالتجارة وأنشأ عدداً من الشركات والمشاريع الصغيرة في مجالات التشييد والمقاولات والنسيج والعطور والمشروبات الغازية. واتسعت شهرته محلياً بعدما دخل مجال الإعلام وأنشأ محطة إذاعة وتلفزيون خاصة سماها "أوليزي" (التعليم). وحينئذ لقبه منافسوه "آية الله سامبي"، متهمين إياه ضمناً بالتشيع والتطرف، وبأنه على علاقة وثيقة بإيران. لكن ذلك لم يمنعه من دخول المعترك السياسي والفوز كنائب في البرلمان القمري عن جزيرة أنجوان عام 1996، بل يعتبر مؤيدوه اليوم أن تلك التهمة التي "تلقفتها فرنسا ومحازبوها" في جزر القمر، عادت عليهم بنتائج عكسية في انتخابات الرئاسة الأخيرة (مايو 2006)، التي فاز فيها سامبي بنسبة 58.7% من أصوات الناخبين، مقابل 29% لمنافسه الأقوى عبدالرحمن هاليدي المدعوم من الرئيس المنصرف العقيد عثمان غزالي.
وبصرف النظر عن أي اعتبار آخر، فقد مثلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، نقلة نوعية في التطور السياسي لجزر القمر، بما ميزه من قلاقل واضطرابات أفرزت 20 انقلاباً ومحاولة انقلابية خلال 30 سنة ماضية من تاريخ البلاد. من هنا فهي تعد أول انتقال سلمي للسلطة في جزر القمر بعد الفترة القصيرة التي أعقبت نيلها الاستقلال عن فرنسا عام 1975، كما تمثل أول اختبار للتسوية الدستورية التي أقرها القمريون عام 2001، وتقضي بتداول الرئاسة بين الجزر الثلاث كل أربع سنوات.
لكن حين أدى الرئيس سامبي قسم اليمين في منصبه يوم 27 مايو 2006، شعر كثيرون بالشفقة على ذلك المعمم والداعية السابق، من ثقل مسؤولياته الجديدة وجسامة التحديات التي تنتظره، ففي ظل الظروف العالمية الراهنة، لا يجد حاملو الشعارات الدينية ترحيباً كبيراً، بينما تعاني جزر القمر مصاعب اقتصادية واجتماعية مزمنة، إضافة إلى التحدي الأكبر أي الحفاظ على الاستقرار الداخلي والوحدة الوطنية. بيد أن سامبي بادر بعد فوزه مباشرة ليقدم نفسه إلى وسائل الإعلام التي طالما اتهمها بتشويهه، قائلاً: "أجدادي قدموا من حضرموت في اليمن، وأنا لست شيعياً بل سنياً على مذهب الإمام الشافعي". ثم أعلن أنه لا ينوي تطبيق الشريعة الإسلامية، إذ الشعب القمري "لم يصبح مهيئاً لها بعد"، كما أن أجواء ما بعد أحداث 11 سبتمبر "غير مواتية" لذلك.
ويبدو أن اهتمامات سامبي حالياً، تنصب على استقطاب العون التنموي وجذب الاستثمارات الخارجية، لاسيما في مجالي البنية التحتية والقطاع السياحي. فهو يتحدث كثيراً عن الفقر المتفشي في بلاده، حيث يعيش نحو 47% من سكانها، البالغ عددهم حوالي 700 ألف نسمة، تحت خط الفقر؛ وكثيراً ما أشار إلى أحياء الصفيح المنتشرة في أنحائها، قائلاً: إن غالبية السكان لا يعرفون الكهرباء، وإن قسماً كبيراً منهم يشربون مياه الأمطار الملوثة. ويراهن سامبي على دور "الأشقاء العرب" في تأهيل الاقتصاد القمري، وكثيراً ما قال: إن جزر القمر هي بمثابة "زهرة عربية في بستان غير عربي"، وإنها بموقعها في المحيط الهندي بين مدغشقر وأفريقيا، وبإطلالتها على مضيق موزمبيق، تكتسي أهمية استراتيجية يجب أن يأخذها العرب أيضاً بعين الاعتبار، وإلى ذلك فهي "من أجمل الجزر في العالم"، ولم تزل أرضاً بكراً للاستثمار السياحي.
وقد تفجرت الأزمة الحالية خلال انتخابات رؤساء الجزر في يونيو الماضي، حين أعلن العقيد محمد بكّار، حاكم أنجوان منذ عام 2002، فوزه برئاستها مجدداً، لكن الحكومة الفيدرالية والاتحاد الأفريقي اعتبرا تنصيب بكار "باطلاً ولاغياً" بعد أن قاطع باقي المرشحين جولة الاقتراع الأولى. ورفض بكار قرار المحكمة الدستورية تعيين خالدي قمبي حمادي رئيساً بالإنابة للجزيرة. وفيما كانت الوساطة الأفريقية على وشك إنهاء الأزمة، بتنحي بكار مقابل منحه ضمانات طلبها، عادت الأمور إلى المربع الأول حين قامت القوات التابعة لرئيس أنجوان المنتهية ولايته بمنع طائرة الرئيس سامبي من الهبوط في مطار الجزيرة.
وإذ ينتاب سامبي غضب عارم تجاه ابن جزيرته المتمرد، دون أن يجد أمامه من وسيلة سوى الشكوى إلى الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، يذكر مواطنوه أنه حين أعلنت انجوان انفصالها عن الاتحاد الفيدرالي القمري عام 1997، احتجّ سامبي يومها بقوة، وقدم استقالته من عضوية البرلمان القمري، فتم نفيه إلى جزيرة موهيلي.
وفي انتظار أن يتخذ مجلس الأمن والسلم المجتمع في أديس أبابا اليوم قراراً حول جزر القمر، لم يفتأ رئيسها يؤكد أن ولاء الجيش والمؤسسة الأمنية مازال قائماً له... في جو يبعث مجدداً بروائح انقلابات وانشقاقات وتمردات كثيرة جرت هناك!