لنتذكر أسماء كل من النائب الأميركي "الجمهوري" توم تانكريدو الذي كرر تهديده بقصف مكة المكرمة والمدينة المنورة، والنائب في البرلمان الهولندي "غيرت فيلدرز" الذي دعا، وبلغة عنصرية، إلى حظر القرآن الكريم في هولندا، والذي شبهه بالكتاب الفاشي لهتلر: "كفاحي"، وكذلك المرشح للرئاسة الأميركية السيناتور "الديمقراطي" الأسود، من والد مسلم، باراك أوباما، الذي هدد إذا ما أصبح رئيساً بقصف باكستان بسبب "فشل" و"تلكؤ" مشرّف في محاربة "القاعدة". لاشك أن هذه المواقف وتلك التصريحات المقيتة والعنصرية تشكل نهجاً بات مؤرقاً ومؤلماً معاً، خاصة في ظل عجز الطرف المستهدف، وهو نحن العرب والمسلمين، عن تجميع القوى وتحويل الشرائح العربية والمسلمة في الغرب إلى جماعات ضغط تعاقب من يتجرأ على التطاول على عقيدتنا. وأيضاً نتيجة بقاء دولنا تراوح في حالة ردات الفعل، دون المبادرة والمقاطعة والردع. إن هذه التهديدات والتصريحات التي ظهرت مؤخراً سعَّرت سوء التفاهم، وألقت بالمزيد من حطَب المواجهة بين الإسلام والغرب، في ما يبدو أنه مظاهر متعددة لإسلاموفوبيا بدأت تترسخ منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، معطيةً ذخيرة للمتطرفين في كلا المعسكرين، الذين يقتاتون على هذه المواجهة، وعلى صِدام الحضارات بدلاً من حوارها. فالنائب "الجمهوري" توم تانكريدو، الذي هدد مرة أخرى -بعد عامين من تهديداته العنصرية الأولى بقصف مكة المكرمة، إذا ما اعتدى إرهابيون متطرفون إسلاميون على المدن الأميركية، والتي لم يجد بعد حملة الردود عليه حينها، بداً من القول إنها مجرد "أفكار افتراضية". وبسبب عدم وجود ما يردعه عن الإساءة لمليار وربع المليار مسلم، عاد مؤخراً ليكرر تخرُّصاته وتهديداته بقصف مكة المكرمة، مضيفاً إليها هذه المرة المدينة المنورة، في تكرار لمواقفه العنصرية ذاتها، ودون أن يخشى أية ردة فعل من مسلمي أميركا ومسلمي العالم قاطبة. أما "غيرت فيلدرز" رئيس حزب الحرية والنائب في البرلمان الهولندي، فقد تطاول على القرآن الكريم في مقالة تنضح بلغة عنصرية، مطالباً بحظره مُشبِّهاً إياه بالكتاب الفاشي لهتلر: "كفاحي"، زاعماً أنه لا يوجد اعتدال في الإسلام، ومؤكداً أنه سئِم من المهاجرين المسلمين. وكل هذا يؤكد ترسخ النهج العنصري المسيء عند بعض ساسة الغرب تجاه الإسلام، واستمراء بعضهم التهجُّم على الإسلام للتكسب السياسي، دون خوف من التكلفة السياسية لتلك المواقف المتطرفة، والتي تطال الشرائح المسلمة التي هي في ازدياد مطرد داخل المجتمعات الغربية في أوروبا وأميركا، دون أن تنجح تلك الشرائح العربية والمسلمة في تشكيل لوبي قوي يردع أمثال هؤلاء السياسيين المرتزقة. مؤلم حقاً ازدياد هذه الحملة الشرسة من التطاول على الإسلام، وتحولها إلى نهج لدى أكثر من طرف، وعدم قدرتنا كعرب ومسلمين، على التصدي لها والتعامل الناجح معها، لردع أي تطاول أو إساءة. وتأتي هذه الحملات والتطاول على خلفية ما ظهر العام الماضي من مواقف وتصريحات من مسؤولين غربيين كبار من أمثال الرئيس بوش وحديثه عن "الإسلام الفاشي"، والبابا بينديكت السادس عشر واقتباسه لحوار بين مثقف فارسي مسلم وإمبراطور بيزنطي مورداً تساؤل الإمبراطور: "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد، لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". دون أن يعتذر أي من هؤلاء وخاصة البابا الذي طالبته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بالاعتذار، وليس أي دولة أو منظمة إسلامية. ولا ننسى أيضاً حديث جاك سترو وزير الخارجية البريطاني السابق وزعيم حزب "العمال"، في البرلمان البريطاني، عن شعوره بالحرج من الجلوس مع ناخبات مُنقَّبات. ويأتي هذا كله على خلفية تلك الرسوم الدانمركية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وما نجم عنها من مقاطعة إسلامية واسعة للمنتجات الدانمركية، تمت تحت شعار: "إلا رسول الله". إن منظمة المؤتمر الإسلامي مطالبة، وبإلحاح، بالضغط والتحرك لاستصدار قرار دولي من الأمم المتحدة يجرِّم التطاول على الأديان والمقدسات، حتى لا يتجرأ بوش مرة أخرى على وصف الإسلام بـ"الفاشية"، وحتى لا يتجرأ البابا على التهجم على الإسلام. وأيضاً حتى لا يقوى نواب عنصريون في أميركا وأوروبا على التهديد بقصف مكة المكرمة وحظر القرآن الكريم. كما أن من المطلوب من منظمة المؤتمر الإسلامي بدولها الـ57 أن تتفق على مبادرة وموقف موحد يتصدى، ويعاقب ويردع، أية دولة أو مسؤول يجرؤ على إهانتنا كمسلمين بالتطاول على عقيدتنا ومقدساتنا. وحتى لا نبقى، عرباً ومسلمين وحكومات ومثقفين ومؤسسات، نراوح مكاننا هكذا في ردات فعل مرتجلة، لا تخيف ولا تردع المتعصِّبين والانتهازيين.