منذ توليه منصب الرئاسة، لم تكن فصول الصيف رحيمة بالرئيس بوش، بما فيها صيف هذا العام. فالآن انحدرت معدلات التأييد الشعبي له إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بينما انهارت أجندة سياساته الداخلية. وفي الوقت ذاته يواجه نائبه ديك تشيني، وكذلك المدعي العام وغيرهما من كبار أعضاء إدارته، هجوماً قوياً ومزدوجاً من قبل الكونجرس، ومن الصحافة الأميركية. أما على صعيد سياساته الخارجية، ولاسيما مغامرة غزوه للعراق، فها هي تجني الفشل تلو الآخر. وعليه فإن الفترة المتبقية من صيف هذا العام، يرجح أن تكون طويلة وصعبة وساخنة. غير أن هذا هو النمط الصيفي المتكرر الذي عرفته الإدارة الحالية. فعلى إثر فوزه المثير للجدل في انتخابات عام 2000، مضى بوش إلى تبني أجندة جريئة في العام التالي 2001، مكنته من إحراز فوز ساحق لحزبه في الكونجرس. لكن ما أن حل فصل الصيف، حتى بدأ في التراجع التدريجي، نتيجة لإجراءات خفض الضرائب التي اتبعها، إضافة إلى ما نسب لإدارته من تحيز سياسي لصالح "الجمهوريين" على حساب الكفاءة المهنية. ثم حلت بالبلاد كارثة هجمات 11 سبتمبر من العام نفسه، التي تضاعفت شعبيته بسبب استجابته القوية والحازمة لها. وبعد أشهر معدودة من ذلك التاريخ، تمكنت الإدارة من رسم خططها وسياساتها الخاصة بشن حربها الدائرة حتى الآن على الإرهاب. وبالنتيجة كان غزو أفغانستان والإطاحة بحكومة "طالبان" فيها، ما أدى إلى رفع نسب التأييد الشعبي لبوش. لكن ما أن حل صيف عام 2002، حتى تبين أن ما بدا انتصاراً ونجاحاً للوهلة الأولى هناك، قد تكشف عن خيبات أمل وانتكاسات غير منظورة حينها. فإلى جانب الانهيار الذي شهدته أسواق المال الأميركية نتيجة لتفشي فساد الشركات، جاء إعلان الإدارة عن خططها الرامية إلى غزو العراق في العام التالي، لتثير ضده موجة من الغضب والانتقادات العامة، بما فيها الانتقادات التي وجهها له كبار قادة حزبه "الجمهوري". بل إن من بين هؤلاء من عمل في إدارة أبيه. وكان طبيعياً أن تنحدر معدلات تأييده الشعبي. غير أن ذلك الانحدار لم يكن إلا مؤقتاً، إذ ارتفعت شعبيته مجدداً بعد أن تخوف خصومه "الديمقراطيون" في الكونجرس من أن يتهموا بالضعف في النواحي المتعلقة بالأمن القومي، فمنحوه في خريف 2002 نفسه، تأييدهم لشن غزوه المزمع على العراق في العام التالي. وفي ربيع 2003 كنا قد دخلنا مرحلة شن الغزو فعلياً، حيث اكتمل الغزو في موسم الصيف، وتمت الإطاحة بنظام صدام حسين، ما دفع بوش للإعلان رسمياً عن انتهاء العمليات العسكرية في العراق بحلول شهر مايو من العام المذكور. لكن حتى قبل أن ينتهي عام الغزو، انحدرت مجدداً شعبية بوش من 71 في المئة إلى 50 في المئة فحسب، بسبب الانتقادات والأسئلة الكثيرة التي أثيرت حول مخططات الإدارة لمرحلة ما بعد الحرب، وسوء إدارتها لعراق ما بعد صدام حسين. ثم اختلف الأمر نسبياً في عام 2004، الذي تمكن فيه بوش من التغلب على منافسه "الديمقراطي" جون كيري بهامش أصوات ضئيل جداً، في معركة إعادة انتخابه للرئاسة في نوفمبر من العام المذكور. لكن بحلول شهر يناير من العام التالي، تنمَّر بوش وأعلن عن سياسات أكثر مغامرة وجرأة، طالب فيها بتمديد فترة حربه على العراق، كي يتسنى له إكمال المهمة التي بدأها هناك. وفي صيف ذلك العام، بدأت حملة مناهضة الحرب، عندما أعلنت إحدى أمهات الجنود القتلى في العراق عن اعتصام مفتوح خارج المنتجع الصيفي لبوش في "كروفورد" بولاية تكساس. وبسبب غفلة الإدارة وخطأ حساباتها لدلالة ذلك الاعتصام، تمكنت تلك المرأة من الحصول على تغطية صحفية واسعة النطاق، هي التي ألهبت شرارة المعارضة الشعبية للحرب، زاجَّة بذلك البيت الأبيض كله في خانة الدفاع عن الذات. وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله كوارث إعصار كاترينا وسوء استجابة الإدارة للدمار الذي تعرضت له مدينة نيوأورليانز، ثم ارتفاع تكلفة حرب العراق مادياً وبشرياً، إلى جانب فشل السياسات الخارجية المتبعة في العراق حتى الآن، فإن كل ذلك يفسر أسباب انحدار شعبيته إلى 32 في المئة فحسب، وهي نسبة ماضية إلى الانحدار مع ما نرى من فشل ومصاعب متعاظمة تواجهها هذه الإدارة.