في بداية هذا الأسبوع، أصدر المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لمنطقة جنوب شرق آسيا، تحذيراً خاصاً بضرورة اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع تفشي وانتشار حمى الضنك (Dengue Fever)، وهي أحد الأمراض الفيروسية التي يمكن أن تنتقل عن طريق لدغات البعوض. ويأتي هذا التحذير في أعقاب تزايد حالات حمى الضنك هذا العام في بعض الدول الآسيوية. ففي إندونيسيا مثلاً، تزايدت حالات حمى الضنك بمقدار الضعف، بينما شهدت ميانمار (بورما) زيادة بمقدار 29%، وتايلاند بمقدار 17%، مقارنة بعدد الحالات في العام الماضي. وبخلاف منطقة جنوب شرق آسيا، شهد العديد من الدول الآسيوية، ودول المحيط الهادئ، زيادة غير مسبوقة هذا العام في عدد حالات حمى الضنك. وأمام هذا الانتشار العالمي المطرد، لابد وأن يتساءل المرء عما إذا كان ممكناً لهذا المرض أن يصل إلى دول الخليج العربي؟ في ظل التقارب الجغرافي، والديموغرافي، بين دول المنطقة ودول القارة الآسيوية، وبشكل خاص دول جنوب شرق آسيا. وللإجابة على هذا السؤال لابد وأن ننظر عن قرب إلى هذا المرض، من ناحية كيفية انتقاله من شخص إلى آخر، وطبيعة الظروف البيئية التي تسمح بتفشيه على نطاق واسع، وعلى وجه الخصوص تأثير ظروف العولمة الحديثة، من ناحية سهولة السفر والانتقال، على احتمالات انتقال هذا المرض من دولة إلى أخرى، ومن قارة إلى أخرى. وكما ذكرنا، فإن حمى الضنك (التي لا علاقة لها بالضنك أو الفقر)، هي مرض فيروسي، ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق لدغات إناث البعوض. فعند لدغ البعوضة لشخص مصاب، وارتشافها لقطرات من دمه، ينتقل الفيروس إلى جسد البعوضة، ليخرج مع لعابها عندما تلدغ شخصاً سليماً. هذه الطريقة في الانتقال من شخص إلى آخر، هي نفسها طريقة انتقال مرض الملاريا. وتتمثل حمى الضنك في نوعين، النوع العادي والنوع النزيفي. في النوع العادي، تظهر الأعراض في شكل حمى مفاجئة، مع صداع شديد، وآلام مبرحة في المفاصل، إلى درجة أن البعض يطلق عليه لقب الحمى المهشمة للعظام. وكثيراً ما يترافق المرض بطفح جلدي، في شكل بقع حمراء على الساقين والصدر. وفي بعض الأحوال، تتشابه الصورة العيادية مع حالات العدوى الفيروسية الشائعة، مثل البرد العادي، مما يجعل التشخيص صعباً، من دون تحاليل معملية معقدة. أما النوع الآخر من المرض، أو النوع النزيفي، فبالإضافة للأعراض السابقة، يصاب المريض بنزيف داخلي حاد، وهو ما يؤدي بدوره إلى دخول المريض في صدمة، وهي الحالة المعروف عنها تسببها في نسبة عالية من الوفيات بين المصابين بها. ففي منتصف عقد السبعينيات مثلاً، كانت حمى الضنك النزيفية أحد أهم أسباب وفيات الأطفال في الدول المستوطن فيها المرض. أما عن الظروف البيئية التي تساعد على انتشار حمى الضنك، فبما أن هذا المرض ينتقل عن طريق لدغات البعوض، نجد أن الظروف البيئية التي تساعد على تكاثر البعوض، وبالتحديد المياه الراكدة، هي ذات الظروف التي تساعد على انتشار حمى الضنك. فعلى سبيل المثال، يترافق فصل الرياح الموسمية (monsoon) التي تهب على العديد من دول آسيا في شهر أغسطس، بزيادة هائلة في عدد الحالات بين دول وشعوب القارة. ولكن لا يمكن أن نلقي باللوم على الأمطار فقط، حيث يقول المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في جنوب شرق آسيا، إن "حمى الضنك هي مشكلة من صنع الإنسان، تتعلق بالسلوك البشري المتمثل في العولمة، ونمو المدن بدون تخطيط أو تنظيم، وسوء تخزين المياه، وتدهور شبكات الصرف الصحي. هذه العوامل جميعها، تساعد على خلق بيئات مناسبة لتكاثر البعوض". وإذا ما توقفنا عند دور العولمة في انتشار هذا المرض، فإنه يمكننا أن نتخيل سيناريو تلدغ فيه بعوضة حاملة للفيروس أحد أفراد الجاليات الآسيوية العاملة في دول الخليج أثناء تمضيته لإجازته السنوية، والذين تقدر أعدادهم بالملايين. أو أن تلدغ هذه البعوضة مواطناً من مواطني دول الخليج، أثناء قضاء عطلته الصيفية في إحدى الدول الآسيوية، والذين يقدر عددهم هذا العام بعشرات الآلاف أيضاً. وإذا ما عاد هذا الشخص إلى المنطقة، قبل أن تظهر عليه أعراض المرض، أو كانت أعراضه بسيطة بحيث تم تشخيصها على أنها نزلة برد عادية، فسنجد أنه في ظرف ساعات قليلة، هي زمن السفر بالطائرات، أصبح لدينا جسد بشري محمل بالآلاف من فيروس الضنك. وإذا ما تعرض هذا الشخص للدغة بعوضة أثناء وجوده في البلاد، فإنه يمكن ساعتها أن ينتقل الفيروس إلى أشخاص آخرين، وهلم جراً. ومثل هذا السيناريو ليس خيالياً بالمرة، بل لقد حدث بالفعل في العديد من الأمراض الأخرى. وإذا ما كان البعض في المنطقة يعتقدون خطأ أنهم بأمان، على أساس أن المنطقة لا يتواجد فيها الكثير من البعوض، فعليهم التفكير مرة أخرى. وأفضل مثال على ذلك هو مرض الملاريا، الذي ينتقل عن طريق البعوض أيضاً، حيث يستوطن حالياً بالفعل بعض دول المنطقة، إلى درجة أن دولة الإمارات لم تعلن عن خلوها منه إلا قبل وقت ليس بالبعيد. بقي أن نذكر أنه لا يوجد تطعيم فعال ضد حمى الضنك، ولا يتوفر علاج ناجع أيضاً لها، ويعتمد العلاج على دعم ومساندة المريض بالسوائل، أو أحياناً نقل صفائح الدم في الحالات النزيفية. وإن كان يجب التنويه إلى تجنب تعاطي الأسبرين في حالات الاشتباه في الإصابة بحمى الضنك، أو أي نوع آخر من الحمى لمن هم دون سن السادسة عشرة.