وسط الجدل الإعلامي والمجتمعي المثار حول حصاد دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الرابع عشر للمجلس الوطني الاتحادي، هناك العديد من الملاحظات، أهمها إسهام النقاشات التي تمت خلال جلسات الأشهر الماضية في رفع سقف النقاشات والحريات في الوسط الإعلامي. وهذه نقطة إيجابية تحسب لطرفي العلاقة في هذه المعادلة (الإعلام والمجلس الوطني) شريطة ألا يتم التركيز على جزئية أسبقية أي من الطرفين في فتح المجال أمام الآخر للتعبير عن مختلف الآراء السائدة في المجتمع حيال هذه أو تلك من القضايا والموضوعات، باعتبار أن العلاقة في هذه الحالة تفاعلية يصعب فصل أحد طرفيها، واختبار فاعليته أو الحديث عن دوره بمعزل مطلق عن الآخر، وباعتبار أن المجتمع هو الرابح الأكبر من أي نقاشات إيجابية جادة تصب في خانة المصلحة العامة. والملاحظة الثانية تتصل بالدعوات الخاصة بغياب أي نقاشات برلمانية حول توسيع صلاحيات المجلس الوطني خلال المرحلة المقبلة، لدرجة أن هناك مطالبات بـ"تفرغ" المجلس تماماً لتفعيل دوره النيابي وتوسيع صلاحياته، وهذه وإن بدت للبعض دعوات منطقية من الناحية الظاهرية، فإن من يتابع أداء المجلس خلال دور الانعقاد الماضي يدرك بالمقابل أن هذه المطالبات لا تخلو من مبالغات، إذ لا يعقل أن يتفرغ المجلس الوطني الاتحادي لمناقشة توسيع صلاحياته تاركاً المهام التشريعية والرقابية الملقاة على عاتقه، وهي مهام وصلاحيات، وإن بدت محدودة وبحاجة إلى خطوات تشريعية مدروسة للأمام بما يتناسب مع التطور التنموي الذي تشهده الدولة، فإن من الموضوعية الاعتراف أيضاً بأن من الصعب التخلي تماماً عن المهام والصلاحيات التشريعية والرقابية القائمة أو تأجيلها لدورات مقبلة، بما يخلف آثاراً سلبية على العمل في كثير من قطاعات الدولة، لاسيما أن من بين هذه المهام مناقشة مشروعات القوانين وسياسة العمل بمختلف القطاعات، وغير ذلك من ملفات تمت مناقشتها خلال الأشهر الماضية، ناهيك عن كثير من مشروعات القوانين المؤجلة التي تنتظر دورها في أدراج الأمانة العامة. وبالتالي نستنتج أن المجلس في سباق مع الزمن خلال دور الانعقاد المقبل، سواء للوفاء باستحقاقات جدول الأعمال المؤجل أو للتقدم خطوات ملموسة على درب مناقشة توسيع الدور والمهام والصلاحيات استرشاداً بالأداء البرلماني خلال الفترة الماضية. الملاحظة الثالثة تتعلق بمسألة المشاركة في النقاشات تحت القبة، حيث شغلت هذه المسألة الكثيرين مؤخراً، ولكن أكثر مايلفت الانتباه في هذه الجزئية، أن الحديث عن كثرة الأعضاء الصامتين داخل قاعة المجلس الوطني، ناهيك عن تقسيم الأعضاء حسب حجم مداخلاتهم ينبغي ألا يصرف الأنظار عن حقيقة مهمة، وهي حاجتنا إلى تفعيل دور جمعيات النفع العام، ومنظمات المجتمع المدني وحتى البرلمانات الطلابية وغير ذلك من قنوات تلعب دوراً إيجابياً في إعداد قيادات قادرة على المشاركة بفاعلية في النقاشات بما يتطلبه ذلك من إدراك واعٍ لحرية الرأي والتعبير، وقبول الرأي الآخر والاعتماد على المعلومات وامتلاك الرؤى النقدية الموضوعية القائمة على المعلومات والإحصاءات، والتنسيق مع الآخرين والعمل بروح الفريق والمقدرة على إيصال الرسالة وفهم مواضع التركيز، وتجنب الإسهاب والإطالة وغير ذلك من مهارات اتصالية تتطلبها أي عملية اتصال جماعي ناجحة ومؤثرة. على أي حال، فإن الحراك الحاصل حول حصاد الأداء البرلماني يمثل بحد ذاته مدخلاً حيوياً لتكريس ثقافة الشفافية والمحاسبة والمساءلة وغير ذلك من أسس وركائز ومقومات يحتاجها المجتمع بشدة، لإنجاح تجربة تطوير دور المجلس الوطني الاتحادي. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية