يبدو أن منطقتنا العربية بشكل عام والخليج بشكل خاص، مقبلة على حالة من عدم الاستقرار بسبب تردي الأوضاع في العراق. ففي الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس الأميركي جورج بوش أن القوات الأميركية في العراق تحقق إنجازات في حربها ضد "القاعدة" في العراق، يعترف بأن المشكلة في بلاد الرافدين مرتبطة بعدم اتفاق العراقيين، وعدم تحقيق الوحدة الوطنية، فيما بينهم. وتمارس الإدارة الأميركية ضغوطاً كبيرة على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لتقريب وجهات النظر وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل جميع الفرقاء. أعضاء الكونجرس الأميركي "جمهوريين" و"ديمقراطيين" يضغطون على الإدارة، للإسراع بسحب القوات الأميركية في العراق وتحديد جدول زمني لذلك. والإدارة الأميركية حتى الآن، تطلب من الكونجرس التمهُّل حتى يظهر تقرير رئيس القوات الأميركية في العراق، الذي وعدت النواب بظهوره في شهر سبتمبر المقبل. المشكلة أن الاستقرار في العراق لم يتحقق بوجود القوات الأميركية، ولن يتحقق بانسحاب هذه القوات حتماً، لأن المعركة بين الفرقاء العراقيين وصلت إلى مرحلة لا يمكن معها التفاهم فيما بينهم على مشروع للبرنامج السياسي. ولا خطة واضحة للقضاء على العنف والإرهاب في العراق، فالأمور في العراق تزداد تدهوراً بدلاً من أن تتحسن. ففي الأسبوع الماضي استقال الوزراء العرب السُّنة من الحكومة، ويقدر عددهم بـ6 وزراء، وبعدهم قدمت مجموعة اللائحة العراقية برئاسة إياد علاوي استقالتها أيضاً من الحكومة. ومجموعة إياد علاوي تعتبر من الحركات السياسية المعتدلة، التي لا تؤمن بالطائفية، وتطالب بحكومة وحدة وطنية بعيدة عن حكم رجال الدين والطوائف، علماً بأن جماعة "العراقية" لديها 5 وزراء، وبذلك تحطمت طموحات نوري المالكي في تشكيل حكومة وحدة وطنية، كما تريد الإدارة الأميركية. لماذا الانسحابات من الحكومة؟ ولماذا لم تتحقق الوحدة الوطنية؟ التجمعات العراقية التي تركت الحكومة، أعلنت أن سبب استقالتها يعود لإنفراد حزب الدعوة برئاسة المالكي، والأحزاب الشيعية بالسلطة، وعدم مشاورة وزرائها لزملائهم الوزراء في الحكومة. إذن الوحدة الوطنية لن تتحقق ما دام رئيس الوزراء ينتمي إلى حزب طائفي لا يؤمن بالمشاركة في السلطة، وهذا أمر طبيعي وعادي، ضمن تصرفات الأحزاب الدينية في المنطقة. فالتجارب السياسية مع الأحزاب الدينية فاشلة، وأدت في النهاية إلى تدهور الأمور في البلدان التي حكمتها هذه الأحزاب سواء كانت سُنية أم شيعية، والدليل على ذلك تدهور الأمور في كل من السودان وإيران. رئيس الوزراء العراقي يصرح دائماً بأن حكمه هو حكم الأغلبية التي فازت في الانتخابات، وبأن من حق هذه الأحزاب الفائزة تشكيل الحكومة.. لقد غاب عن باله أن التجارب الحزبية في النظام البرلماني الغربي لها محددات، منها أن طبيعة الأحزاب هناك علمانية وليست دينية مُؤدلجة لا تؤمن بإشراك الآخر. ففي الغرب إن قامت حكومة ائتلافية متعددة الأحزاب، تكون عادة لديها رؤية وبرنامج سياسي واضح تتفق عليه، ويتمحور حول كيفية تحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي وتحسين الخدمات لجميع المواطنين. أما ما يحصل في العراق فيعتبر فوضى غير مسبوقة، أحزاب شيعية طائفية تفوز في الانتخابات، وتعيين رئيس وزراء طائفي لتشكيل الحكومة، بتحالف قوي مع الأحزاب والميليشيات الشيعية التي ترفض التنازل عن السلطة لتحقيق الوحدة الوطنية. لقد ارتكبت الولايات المتحدة خطأ تاريخياً عندما لم تطلب من العراقيين أن يكتبوا دستوراً علمانياً يوحِّد جميع فئات المجتمع بدلاً من تفريقها. والدرس المستفاد هو، أنه لا يمكن أن يتحقق الاستقرار في أي بلد تحكمه أحزاب دينية مُؤدلجة. وأخيراً على دول الخليج تهيئة أنفسها للأزمات القادمة في المنطقة كنتيجة للحروب الأهلية والأحزاب الدينية.