إن قرار وزارة العدل تشكيل فريق عمل متخصّص لإعداد دراسة حول إنشاء محاكم متخصّصة تلبّي متطلّبات الأوضاع الاقتصادية والتجارية في الدولة، رغم أنه جاء متأخراً بعض الشيء، فإنه اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى، في ظل النهضة التنموية الشاملة التي تشهدها الدولة حالياً. هذا القرار الذي يأتي بدوره تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء المتضمّن إنشاء محاكم متخصّصة في القضايا الاقتصادية والتجارية وأسواق المال والتجارة الحرة والأنشطة الصناعية والمعلومات الإلكترونية، وغيرها من المجالات ذات الصلة، يضع البيئة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية في الدولة على أعتاب مرحلة جديدة من الاستقرار والشفافية، خاصة في ظل تعقّد القضايا الاقتصادية ودخول دولة الإمارات في تعهّدات واتفاقيات دولية تقتضي وجود قضاة متخصّصين في مثل هذه القضايا المهمّة. فالقضايا الاقتصادية والتجارية والمالية تتشعّب وتتعقّد بالوتيرة نفسها التي يزدهر بها الاقتصاد المحلي، كما أن الجرائم الاقتصادية هي الأخرى آخذة في النمو والتطوّر والتنوّع بصورة مستمرة، حيث يهيمن هذا النوع من الجرائم على الملفات القضائية التي تعرض على محاكم الدولة اليوم، ما يؤكّد أهمية وجود محاكم اقتصادية وتجارية متخصّصة، لما يمثّله هذا النوع من المحاكم من دعم مباشر للعملية التنموية والاستثمارية في الدولة، وذلك على غرار النظم المعمول بها في العديد من الدول المتقدّمة اليوم. فالاقتصاد القومي أصبح اليوم على درجة كبيرة من التطوّر والتنوّع والتخصّص والتعقيد ما يتطلّب وجود قضاء على درجة كبيرة من التخصّص قادر على مواكبة مثل هذه التطوّرات، وتسريع إجراءات البتّ في القضايا الاقتصادية الشائكة، ما سيوفّر الوقت ويزيد الثقة في البيئة الاستثمارية المحلية. ففي ظلّ الطفرة الاقتصادية التي تشهدها الدولة حالياً، وتنوّع واتساع رقعة القاعدة الاقتصادية، والجهود الكثيفة التي تقوم بها حالياً في عدد من الاتجاهات بغرض تهيئة البيئة الاستثمارية وتبسيط الإجراءات أمام المستثمرين وتطبيق القوانين والتشريعات الاقتصادية والتجارية والمالية بشفافية، كل ذلك يتطلّب تطوير الجهاز القضائي بما يتناسب والتطورات الاقتصادية، الأمر الذي يؤكد أهمية الاتجاه لإنشاء محاكم متخصّصة للنظر في النزاعات الاقتصادية بأشكالها كافة وتسريع إجراءات التقاضي، مما يتفق مع روح العصر، ويخفّف العبء عن قضاة المحاكم العادية، وحتى يشعر أطراف المعاملة الاقتصادية أو الاستثمارية أو المالية أو التجارية، أو غيرها، بالثقة في إمكانية حصولهم على كامل حقوقهم في أسرع وقت، وهو ما سينعكس إيجاباً على زيادة الثقة في الاقتصاد الوطني. إن إقامة محاكم متخصّصة تواكب توسع ونمو القطاعات المالية والاقتصادية المختلفة، التي تشهدها الدولة اليوم، لابدّ وأن تكون في إطار إعادة نظر شاملة في بيئة القضاء الاقتصادي، بما في ذلك القوانين والتشريعات، التي ما زالت، رغم التعديلات والتطويرات المتلاحقة عليها، عاجزة عن اللحاق بالطفرات الاقتصادية المتلاحقة التي تشهدها الدولة. إلا أنه لا ينبغي الاقتصار على إنشاء دوائر تحمل اسم المحاكم المالية أو الاقتصادية أو التجارية ضمن دائرة القضاء ما لم يكن ذلك مقروناً بتطوير للإجراءات وتأهيل للقضاة أنفسهم، إذ إن التخصّص المنشود يجب أن يكون في القضاة الذين ينظرون الدعاوى المتعلقة بالقضايا الاقتصادية المختلفة، وهو ما يتطلب بدوره إيجاد جيل من القضاة يفقه دقّة المسائل الاقتصادية وتعقيداتها والأمور الفنية كافة المتصلة بدائرة اختصاصهم، كأسواق رأس المال والأوراق المالية، والملكية الفكرية، والاستثمار، وغسل الأموال، وغيرها من المجالات التي تتركز حولها الجرائم والنزاعات الاقتصادية اليوم. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية