لقاء الإعلامي البارز "حسن معوض" في محطة "العربية" يوم 5/8/2007، مع محامي الجماعات الإسلامية في مصر، السيد "منتصر الزيات"، كان فضيحة سياسية وقانونية، وجرحاً بليغاً في جسم الديمقراطية العربية والإسلامية والمحامين العرب! فمنذ فترة ليست بالقصيرة، والزيات يقدم نفسه إلى الإعلام المصري والعربي والإسلامي، كنصير لا يشق له غبار للاعتدال وحكم القانون ونفي صفة التطرف عن الأحزاب الإسلامية، كما عمد إلى تقديم مشروع لإقامة حزب إسلامي جديد في مصر للالتفاف حول قرار منع الإخوان! بل، وهنا بعض غرائب الحياة السياسية والثقافية العربية، شارك في مؤتمرات مكافحة الإرهاب وندواتها، كتلك التي شاهدتُه فيها في إحدى الدول الخليجية قبل سنوات، فالرجل كما ظهر من تصريحاته في برنامج "نقطة نظام" الأسبوع الماضي، كان أبعد ما يكون عن الاعتدال ونبذ الإرهاب. قدم الزيات نفسه في بداية البرنامج كبطل من أبطال الحرية، وقادة تحرير الشعوب قائلاً: "أنا من الذين يؤمنون بأن الحرية لا تُمنح وأن الحرية تُنتزع بفعل نضال الشعوب". ولكنه سرعان ما تراجع عن هذا التصريح الثوري قائلاً إنه كذلك "موقن بضرورة التدرج في الإصلاح" موضحاً، "نحن القوى الحية النابضة في الشعب، لابد أن نُسهم في حركة الإصلاح السياسي بطريقتنا". وظهر "رجل القانون" مذبذباً منقسماً على نفسه إزاء أحداث سبتمبر 2001 في نيويورك ونشاط تنظيم "القاعدة" منذ ذلك الوقت. يقول مثلاً "معروف أنني عارضت ومن المعارضين لأحداث سبتمبر، ولكنني قد أتفهم الدوافع التي دفعت أسامة بن لادن إلى تبني تفجيرات نيويورك وواشنطن". فبن لادن غير مسؤول عن تلك الكارثة وما نجم عنها بل اضطر إلى "تبنيها"! وكان الزيات قد صرح كذلك بأن تنظيم "القاعدة" الرئيسي "لم يقم بأي عملية منذ هجمات 11 سبتمبر"، أي لا في أوروبا ولا في الدول العربية ولا في أي مكان. وعندما حاصره مقدم البرنامج عما إذا كانت لديه معلومات أم أن هذا مجرد تحليل قال:"لا، طبعاً هو تحليل، ليست لدي معلومات". فانظر كيف يحكم خريج الحقوق والقانون على الأمور، وكيف يتجاهل كل الحقائق والبيانات والاعترافات والرسائل المتبادلة وغير ذلك، كي لا يحرج نفسه ربما مع عتاة "الجهاديين"! بل لم يكلف الزيات نفسه توجيه دعوة إلى الظواهري وبن لادن من خلال هذا البرنامج، الذي لا شك يشاهده "سكان" كهوف تورابورا، مع كل العالم، بأن يتراجعوا مثلاً ويتوبوا وينقذوا العرب والمسلمين من كل ما هم فيه اليوم من عذاب سياسي وفضيحة إعلامية لا آخر لها! فهذه أقل متطلبات الاعتدال والندامة إن كان الزيات مؤيداً للعمل السلمي و"الجهاد السياسي" كما جاء على لسانه. يقول الزيات:"أنا ابن من أبناء الجماعة الإسلامية التي نشأت في السبعينيات في الجامعة المصرية.. كنت أحد المحامين الذين يدافعون عنها، تشرفت بمهمة الترويج لمبادرة وقف العنف يوليو 1997". ويقول عن مشروعه الحزبي الجديد: "إنني أدعو إلى حزب مدني له مرجعية إسلامية". وهذه بالطبع بعض فذلكات ومحاولات تغيير معاني ومدلول الكلمات والمصطلحات، وعلى كل حال فمسألة الأحزاب في مصر قضية لا نريد أن نناقشها هنا. ولكن من الواضح أن رؤية السيد الزيات ودعوته الإسلاميين إلى نبذ العنف وتبني الوسائل السلمية متذبذبة وسطحية ومحدودة. وقد ظل الزيات خلال البرنامج يقدم نفسه كصاحب مشروع إسلامي سياسي معتدل ومعادٍ للعنف والإرهاب، فخدع طرحه هذا الكثير من المشاهدين، حتى سأله مقدم البرنامج: "بعد مقتل الزرقاوي نقل عنك وصفه بالإمام والمجاهد والمقاتل الذي آذى الأميركيين وعملاءهم، من هم هؤلاء العملاء؟ هل تقول إنه قتل عراقيين، أليس كذلك"؟ وقال الزيات:"الأخ الزرقاوي، رحمة الله عليه، أبلى بلاءً حسناً وقاتل الأميركان، ولأنه يقاتل الأميركان فإن الأميركان يشوهون صورته، ولأنه كان يقاتل حلفاء الأميركان، فإن حلفاء الأميركان كانوا يتهمونه بأنه يقتل الأبرياء". والآن، كيف يعطي الزيات لنفسه، وهو دارس القانون وداعية التفاهم ونبذ العنف، حق الدفاع والترحم على شخص كالزرقاوي بكل ماضيه الحافل بالإرهاب؟ فالذي يعرفه الكل، أن الزرقاوي كان يعتبر نفسه من رموز وقادة تنظيم "القاعدة"، ورسالته المنشورة إلى بن لادن فضيحة دينية ووطنية بما فيها من طرح طائفي وهجوم كاسح على الشيعة ومعتدلي السنة. كما أن مزاعمه حول مهاجمة "حلفاء الأميركان"، كانت جملة من الجرائم والتفجيرات المروعة ضد المدنيين العراقيين حيث كان بين ضحاياها ألوف من رجال ونساء وأطفال العراق ومن بين أفقر الطبقات، كما أن عمليات الزرقاوي رافقتها حملة من الدعاية الطائفية البغيضة نرى آثارها المتفاقمة في كل مكان في العراق ودول الخليج. فلماذا لا يرى السيد الزيات كل هذه الدماء على يد الزرقاوي؟ وكيف يجرؤ على تزكيته والترحم عليه والإشادة به، رغم أن الزرقاوي غارق في دماء عشرات الألوف من أهل مدن وقرى العراق؟ أي اعتدال وتسامح ونبذ للعنف يتحدث عنه الزيات أو يؤمن به، إن كان مذهبه في الوطنية المزعومة ومقاومة الأميركان والدفاع عن الإسلام، يسمح له بالتجاوز عن دماء كل هؤلاء العراقيين المدنيين، وتجاهل آلام عشرات الآلاف من الأيتام والثكالى والمشوهين؟ ويزعم الزيات أنه لا يفرق بين ضحايا الإرهاب المدنيين في أي مكان، فهل كان الزيات سيجرؤ على الترحم على الزرقاوي لو كان قد ارتكب جرائمه الإرهابية هذه في مصر مثلاً، وفجر فيها كل هذه السيارات وقتل واغتال كل هذه الأعداد؟ هل يجيز الزيات هذه الجرائم مع كل دولة ونظام صديق أو حليف للغرب والأميركان؟ ألا يظهر ترحمه على الزرقاوي ودفاعه الشديد عنه بأنه لم ينتقل حتى الآن إلى خانة الاعتدال ونبذ الإرهاب، وأنه ربما يحاول أن يستفيد من المناخ الإعلامي، إذ لا يمكن لمحام مصري، في بلد له كل هذا التراث القانوني، أن يشيد بإرهابي عريق مثل الزرقاوي، كل علاقاته ونشاطاته ومعارفه ومنجزاته كانت في الأوساط الدموية التفجيرية، والكل لا يزال يتذكر بشاعة جرائمه التي أحرجت حتى بعض دعاة العنف والقتل والجهاد من الإسلاميين، وتفاخره بقتله للمدنيين العراقيين لمجرد أنهم من "الكفار الشيعة"؟ وإن كان شيعة العراق خونة وحلفاء للأميركان، كما كان يزعم الزرقاوي وأنصاره التكفيريون الدمويون، فما قولهم اليوم في عشائر العراق السنية والشيعية وقد تنادت كلها للدفاع عن العراق وإنزال الهزيمة بتنظيم "القاعدة"؟ إن هذه العشائر تنطلق من نفس المناطق والمدن غربي العراق، والتي اعتبرتها دعايات الإسلاميين والقوميين وأنصار النظام المدحور بؤرة لـ"مقاومة الأميركان". فهل هؤلاء كذلك، وهم من أقحاح عرب العراق وسنتها، من خونة الإسلام وحلفاء الأميركان في قاموس الإسلاميين المصريين؟ ولقد أعجبت بتعليق أرسله عراقي من الأنبار في الإنترنت يقول فيه عن المحامي الزيات بعنوان "حقيقة القاعدة في العراق"، والمرسل بلقب الأنباري: "للأسف هذا جالس في مصر ولا يدري ما الذي فعله الزرقاوي وجماعته، أنا والله سني ومن الأنبار، لكن الزرقاوي وجماعته آذوا الجهاد أكثر مما نفعوه، وأساؤوا له، وعمالتهم صارت واضحة للعيان، وها هم يقتلوا حتى المجاهدين المخلصين. فأدعو هذا الرجل -الذي كنت احترم رأيه- إلى أن يتوضح الحقائق جيداً قبل أن يتكلم، وأدعو كل من يدافع عن "القاعدة" إلى المجيء للعراق وللأنبار بالتحديد، ورؤية ما فعلوه بالناس، وكيف هي سمعتهم. وأنا والله كنت قبل احتلال العراق من المؤيدين للقاعدة، لكن بعد أن رأيتهم ورأيت تصرفاتهم قلت: "يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين"، لا سيما بعد تأسيس ما تسمى بدولة العراق الإسلامية والتي ما ضمت إلا من لهم تاريخ أسود في الإجرام والقتل والسرقة وقطع الطريق. وهذه شهادة عيان لأنني أعرف الكثيرين منهم وبالأسماء. فوالله ما ظلمتهم، وثبت أيضاً بالبراهين الساطعة أنهم يعملون لمصلحة إيران...". إن تعاطف المحامي منتصر الزيات مع إرهابي كبير مثل الزرقاوي ليس بالأمر الغريب على المحامين في العالم العربي، فهذه المهنة تم تسييسها للأسف الشديد، ولم تعد لها علاقة وثيقة دائماً بالحق والقانون بل بطبيعة الحزب والتيار الذي ينتمي إليه المحامي أو مدى حبه للمال والشهرة وغير ذلك. وهذا ما لمسناه جميعاً من كل ذلك الاستعداد الذي أبداه المحامون العرب للدفاع عن صدام حسين وأعوانه، ولم يتقدم أحد منهم للدفاع عن فقراء وأرامل العراق وضحايا نظام صدام الدموي الذي كان يفجر المعارضين بأصابع الديناميت ويرمي بهم في الآبار ويحكم عليهم بأقسى الأحكام، دون أن يُعطوا حق الاستعانة بأي محام أو فرصة الظهور في الإعلام العربي المطبوع والمتلفز، الذي بات محامو العالم العربي.. ألمع نجومه! ولم يكتف السيد الزيات بتزعمه لتيار الاعتدال بين المسلمين في مصر، بل تحدث في برنامج "نقطة نظام" في محطة "العربية"، عن "خمسة من الأقباط"، ممن انضموا إلى حزبه الذي يسعى في إقامته، كبديل ديمقراطي وصديق للأقليات ومعادٍ للعنف وانحراف الجماعات والاعتداءات المتكررة على غير المسلمين. ولا أدري كيف يوافق مسيحي واحد، يؤمن بالسلام والحب، وبتعاليم السيد المسيح في الاعتدال والتسامح، وإدارة الخد الأيسر لدى لطم الأيمن، أن يبايع زعيماً مثل منتصر الزيات، أو يخضع لإمامته، وهو المتفاني في حب أبومصعب الزرقاوي والمشيد به هذه الإشادة التي يكاد لا ينالها منه أولياء الله الصالحون! حقاً، إنه قنديل خالٍ من الزيت، هذا الذي نراه بيد المحامي منتصر الزيات!