في مقال الأسبوع الماضي اجتهدت في الإجابة عن سؤال متى يفشل المواطن؟ وكان ملخص القول: إن الفشل والنجاح لهما احتمالات ثلاثة: الأول هو فشل المواطن، وهنا تعرضنا للمواطن الذي قرر الفشل لأن بعض المواطنين لا يريدون أن يطوروا أنفسهم في بيئة العمل التي تفترض من كل موظف أن يطور نفسه، وبسبب هذا القرار، وصل هذا المواطن إلى درجة الفشل بكل جدارة. الحالة الثانية كانت في المواطن الذي وُضع في مكان ساهم في فشله لعوامل ذاتية أو خارجية، كأن يكون في منصب دون خبرة أو شهادات مناسبة، أو إذا ما قرر مديره تهميشه وإيصاله إلى رتبة الفشل وغير ذلك من الاحتمالات. الملخص هو أن المواطن يفشل، أو قد يفشل لعوامل ذاتية أو خارجية. الحالة الثالثة هي التي نستعرضها في هذا المقال. الاحتمال الثالث هو النفي، فلله الحمد والمنة أن أغلب من تعاملنا معهم من المواطنين يندرجون تحت هذا الخيار، وهم سر تقدم الكثير من مؤسساتنا الراقية التي أثبتت للعالم أن دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل توجهات قادتها تمكنت من إعداد جيل من الشباب الذي نفخر بهم علماً وأدباً وخبرة ومنهجاً، حتى باتت هذه الفئة مدارس متنقلة حول العالم، تشارك في مؤتمرات عالمية تعرض تجارب النجاح التي مرت بها الدولة، هؤلاء هم سر تقدم المجتمع، وهم الذين تسعى المؤسسات والدوائر والوزارات إلى استقطابهم إن شاءت التقدم والتطور وكما يُقال: ما حك جلدك مثل ظفرك فتولَّ أنت جل أمرك. هذه الفئة من المواطنين بدأت تتنافس عليها المؤسسات والشركات العامة والخاصة، كما أننا نلمس حرباً خفية في بعض الأوقات بين مؤسسات الدولة المختلفة المحلية منها والاتحادية، فالكل يتسابق لجذب هذه الفئة من الناس، وأهم ما يستثمر في هذا المجال هو الراتب ومغريات العمل الأخرى. وللأسف الشديد، فإن المؤسسة الاتحادية باتت هي الأضعف في هذا الصراع من أجل التميز، وهنا يعيش الوطن والمواطن لحظة الانتظار التي طال أمدها، فبعد أن أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الاستراتيجية المستقبلية للحكومة الاتحادية، ظل السؤال في محله من سيقوم بتنفيذ هذه الاستراتيجية إذا استمر حراك الوظائف من الاتحادية إلى المحلية. كي لا أناقش الموضوع من فراغ، دعوني أنقل لكم صورة واقعية، فالمواطن الذي يدرس في جامعة الإمارات، والذي اجتهد حتى نال درجة الدكتوراه في تخصصه بلغة أخرى، سافر خارج الوطن واجتهد حتى بلغ درجة التخصص يتراوح راتبه بين عشرين وثلاثين ألف درهم شهرياً، بينما الطالب الذي تخرج بعد أن درس على يد هذا الأستاذ الكريم، يبدأ راتبه بما يقارب عشرين ألفاً، وقد يصل إلى الثلاثين بعد سنوات خبرة محددة، هذا إن عمل في إحدى الدوائر المحلية في إمارة أبوظبي الحبيبة. أما إذا قرر هذا الخريج العمل في وزارة اتحادية، فسيبدأ من عشرة آلاف في أحسن الأحوال، وهنا سؤال يطرح نفسه لو أتيح للمواطن الالتحاق بسوق العمل أين سيتجه؟ وما الذي يدفعه للعمل في وزارة اتحادية؟ إن التضحية موجودة ومطلوبة ولكن سوق العمل له مغريات ومنطلقات لا ينبغي إغفالها إن شئنا تحقيق الأهداف الطموحة التي تم الإعلان عنها. وكي ينجح هذا المواطن إضافة للمتطلبات المادية للنجاح، لابد من الاهتمام بالتنمية المستدامة للموظف، فمهما عملت مؤسسات التعليم العالي على تخريج جيل ناجح وصالح لسوق العمل اليوم، فإن هذا السوق به حراك غير مسبوق، هذا الحراك يتطلب استمرارية التدريب والتعليم. وفي ختام المقال، أود أن يتأكد لنا وجود الفئات الثلاث من المواطنين وهم: الفاشلون والمعرضون للفشل والناجحون، فالدرس هنا يكمن في معرفة أسباب النجاح وتدعيم وجود هذه الأسباب في مؤسساتنا، كي تنجح، كما أن الأمر يقتضي دقة في التقويم والقياس وربط ذلك الأمر بالرواتب والمخصصات، فلا يستوي في نهاية الأمر من يعمل ومن يعتقد أنه كذلك.