صادفنا أحد البرامج الإذاعية الموجه إلى الجمهور، المتواصل مع همومه عبر الهواء، حديث الصيف اللاهب عندما تنقطع الكهرباء عن السكان وبصورة متكررة في إمارة دبي التي عرفت بتاريخها الكهربائي الناصع. واللافت عبر المتابعة المباشرة للحركة العمرانية السريعة التي تشهدها دبي، ومنذ أكثر من عقد، يلاحظ أن الكهرباء الموصولة لتلك المناطق التي تحوي أبراجاً شاهقة أشد قوة من المناطق التي هي في حكم القديمة، وهو ما يثير أكثر من علامة للاستفهام حول التوازن المطلوب والتوزيع العادل لهذه الطاقة التي لا يمكن التفرقة في أهميتها لكل إنسان يعيش على هذه الأرض المعطاء، ولو كان في ركن زاوية صحراوية أو على رأس جبل منعزل عن بقية المؤثرات. خلاصة الحديث الإعلامي عن مواطنة تسكن منطقة (الشعبية الجديمة) ومعاناتها منذ فترة مع صيف بدون كهرباء، وهي تشكو تلك الحالة التي استمرت معها لفترات يومية طوال الفترة المنصرمة من أشهر القيظ، وهي لا تعرف السبب المباشر لذلك الانقطاع الدائم وغير المحتمل. فقام مقدم البرنامج الشعبي وهو يؤدي واجبه تجاه الجمهور برفع سماعة الهاتف لمعرفة الحقيقة من المعنيين في (ديوا) هيئة كهرباء ومياه دبي، وعلى ذلك الخط الساخن رجل العلاقات العامة، الذي بدوره يدافع عن موقعه في الهيئة ويزيد من سخونة الصيف، دون أن يلتفت إلى المشتكية، وكأن سيل الاتهامات الطويلة إليها في مضاعفة الأحمال بالمنزل دون أن يتبع ذلك تغييرات جوهرية في البنية الأساسية للتمديدات الكهربائية، مع (الحلفان) بالأيمان المغلظة والدفاع بأنها لم تضف (ليتاً) واحدا إلى بيتها. هنا يستدرك مسؤول العلاقات في الرد على هذه الأم التي (تحاتي) أبناءها المدثرين بالقيظ اللافح في فصل يتميز بذلك اللاهوب الرتيب، ها! المشكلة (عيل) بمنازل الجيران الذين حولوا بيوتهم إلى فنادق من الدرجة العاشرة، وأسكنوا في كل غرفة عشرات الأفراد وهو ما (شوّط) المنطقة بأكملها، ولستِ أنت الوحيدة. فالحل إذن هو في قيام السيدة المتضررة بطرد الجيران من بيوتهم المكتظة، حتى تنعم هي وأبناؤها بشيء من نسمات الكهرباء المنعشة. وآخر من سكان منطقة قريبة وملاصقة لشارع الشيخ زايد ومتقاطعة مع مشروع الخليج التجاري يورد بأنه قد استنفر كل (الكهربجيين) في الإمارة لمداواة الجرح الغائر في كهرباء داره، فيخرج بعد تغيير كل ما يحتاج إلى تبديله بصفته الفنية، فيرد أحدهم قائلاً: "أربابْ كهربا داخل بيت زينْ، بس مالْ برَّه مو زين". وتتوالى الشكاوى المنثورة في ثنايا الصحف اليومية، والتي تشير إلى مناطق كالراشدية والقصيص، وأخرى لم تصل إلى حيز النشر تصرخ بكل ما في الكهرباء من ضغط عالٍ، زيادة لهيب الصيف الذي يتغنى البعض بمفاجآته الثلجية التي ذابت وسالت في أروقة وممرات حجرات السكان. ترى هل الحل كما يقترح بعض أهل الكهرباء المختصين هو بتكويم كل أفراد العائلة في غرفة واحدة وتشميع الأخرى إلى ما بعد الصيف حتى يمضي صيفنا على خير، وقد فعل بعضهم ذلك، إلا أن الكهرباء مصرة على (تشويط) العائلة التي تكوَّرت في مكان واحد. قبل انتهاء لهيب الصيف نقترح على القائمين بشأن الكهرباء في إمارة دبي القيام بدراسة مسحية وواقعية قبل قدوم الموسم المقبل لمعرفة الاحتياجات المُلحة لمدينة دبي التي تتجدد وفق الاستراتيجية العامة التي تم الإعلان عنها منذ أسابيع، لاستدراك النقص الذي يمكن أن تقع فيه الإمارة قبل بلوغ إجمالي سكانها أربعة ملايين نسمة، وإلا فالتمييز غير المخطط واقع لصالح قاطني الأحياء الراقية على حساب من كانت مناطقهم (راهية) من قبل.