د. محمد سلمان الحمادي ------------------------------------- باتت قضية شح المياه، وخاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة، من القضايا المهمة، ليس على الصعيد الزراعي فحسب، بل أيضاً على المستوى الاقتصادي والسياسي للدول. وتقلبات المناخ وما صاحبها من قلة الأمطار وحدوث ظواهر مناخية غريبة في الآونة الأخيرة، هي دليل على عمق وأهمية هذه المشكلة. واليوم يرى المتتبعون لقضية المياه صحة القول بأن حروب المستقبل ستكون حروب مياه. وعليه ربما قد لا ينفعنا المال حالياً إلا باستثماره في مجال المحافظة على المياه. وذلك لأن المياه كانت بالأمس سلعة رخيصة، إن لم تكن مجانية، واليوم صار للمياه وزن كبير يضاهي وزن البترول، ليس نقداً ولكن أهمية. ولو تناولنا قضية المياه وعلاقتها بالتطور، فسنرى حقاً أنه لا حضارة من دون زراعة، ولا زراعة من دون ماء. حقيقة لا بد أن تكون في مقدمة استراتيجيات التخطيط والتطوير لكل بلد. لهذا كثرت المؤتمرات والندوات العالمية في الآونة الأخيرة حول قضية شح المياه. وتعددت الأنظمة والقرارات الدولية التي تنادي بتنظيم وترشيد استهلاك المياه. لكن أين أو كيف يمكن التطبيق؟ كيف يمكننا توعية المجتمع بحجم المشكلة؟ هنا يبرز دور المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية. إقامة مؤتمر أو ندوة أو اجتماع لإرضاء الرأي العام واستحضار عدسات الصحفيين ليس بالأمر الصعب. وإنما الصعب هو كيفية تحقيق المستحيل... هذا ما تعلمناه من قادتنا. فالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "رحمه الله" علمنا كيف تُزرع الصحراء، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "حفظه الله" علمنا أن المستحيل وجهة نظر. من وجهة نظر، فإن المطلب الأهم حالياً هو تكاتف الجهود، ليس لمتابعة النقاشات والمؤتمرات، بل لمباشرة التنفيذ. لا بد من نشر الوعي بين فئات المجتمع كلها، خاصة الفئات ذات الدخل العالي والتي يتجاوز نصيبها من إجمالي الاستهلاك المائي 58% حسب إحصائيات البنك العالمي. وكما جاء في تقرير عالمي، فإن ارتفاع مستوى الدخل لأي دولة لا يعني بالضرورة وفرة المياه فيها، والمثال على ذلك مدينتا سيدني وهيوستن اللتان تستهلكان من المياه قدراً يتجاوز مواردهما المتاحة. وقد نبه التقرير نفسه إلى مشكلة تسرب المياه من الأنابيب كما هو الحال في لندن، مما يؤدي إلى ضياع كمية تعادل سعة 300 حمام سباحة أولمبي في كل يوم. ورغم شح المياه، فإن إساءة استخدامها مازالت منتشرة بشكل كبير، حتى بين الفئات المتعلمة. ناهيك عن نضوب وتلوث المياه الجوفية وقلة مصادر المياه العذبة وشح الأمطار. ولا يمكننا القول إن زيادة تعداد السكان وحده هو العامل المسؤول عن زيادة الطلب على المياه، فقد زاد استهلاك المياه منذ عام 1900 ستة أضعاف، بينما كانت الزيادة السكانية خلال الفترة نفسها بمقدار الضعفين فقط. لذلك فمشكلة زيادة استهلاك المياه هي انعكاس لارتفاع مستوى المعيشة، وعليه فمن المتوقع أن يعاني 4 مليارات من سكان العالم من نضوب المياه بحلول عالم 2050، غالبيتهم في منطقة شبه الجزيرة العربية وغرب آسيا. كل هذه التداعيات استدعت مقترحات، يطالب أحدها بتحويل الزراعة من المناطق الجافة وشبه الجافة إلى المناطق التي بها وفرة مائية. كما ظهر مقترح آخر يقول بتحديد النسل وتقليل سكان العالم حتى يتسنى إيجاد حلول لمشكلة المياه. ورأي ثالث يؤيد استخدام محطات تحلية المياه، كما هو الحال في شبه الجزيرة العربية حيث توجد 60% من محطات تحلية المياه على مستوى العالم. وهناك رأي أخير ينادي بتسعير المياه وتقييد استخداماتها اللاواعية، وهذا يعد من أفضل الحلول التي اعتمدتها عدة حكومات. إن التزايد المستمر على طلب المياه من قبل القطاعات الزراعية والصناعية والمنزلية، مقابل الشح المستمر، أدى إلى مشاكل وضغوط عديدة على الحكومات والتي بدورها أنفقت الكثير على البحوث والدراسات المتعلقة بهذا المجال. كما سنت قوانين تنظم عملية الاستهلاك على كل القطاعات من تسعير المياه، وتنظيم حفر آبار المياه، وإعادة ضخ المياه في الآبار الجوفية وغيرها. وإذا دققنا النظر في بعض الإحصائيات نجد أن القطاع الزراعي يستنزف 70% من مصادر المياه العذبة عالمياً (يصل الرقم إلى 90% في بعض الدول الخليجية). بينما يستهلك القطاع الصناعي نحو 20%، وباقي القطاعات 10%. لكن بما أن القطاع الزراعي يستهلك نصيب الأسد من المياه، فلماذا لا يكون التركيز الأساسي عليه؟ يجب أن تنصب الجهود على هذا القطاع للحد من استنزاف المياه. ويمكن تحقيق ذلك باستخدام طرق الري الحديثة، خاصة إذا علمنا أن ما يقارب من 90% من المياه المستخدمة في الزراعة تفقد من دون فائدة تذكر. هذا إضافة إلى ما أثبتته الدراسات من أن طرق الري الحديثة لم تسهم في تقليل فاقد المياه فقط، بل أيضاً في زيادة الإنتاج الزراعي. وتشير الإحصائيات إلى أن الأراضي الزراعية التي تطبق بها أنظمة الري تشكل 17% من مجموع الأراضي الزراعية عالمياً، وتسهم هذه الأراضي بـ40% من الإنتاج الغذائي العالمي. وحسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة، فإن القسم الأكبر من زيادة الغذاء العالمي يأتي بتكثيف الزراعة المعتمدة على نظام الري الحديث. ومن هنا لا بد من توجيه المزارعين إلى ضرورة استخدام ذلك النظام، وهذا لن يتحقق إلا إذا تحركت بعض المؤسسات المعنية التي مايزال دورها محدوداً في ظل الطفرة التي تشهدها المنطقة عامة. ويجب أن نضع في الاعتبار مشاركة كل فئات المجتمع، فالكل مسؤول، وتكاتف الجهود مطلب للمحافظة على خيرات وطن الخير، فكلنا على متن مركب واحد. جامعة الإمارات العربية المتحدة Email: Alhammadi@uaeu.ac.ae