ليس منصفاً وضع العرب في سلة واحدة ثم رمي الكرة عليهم. فعلى رغم أن بين العرب بعض المشتركات إلا أن ثمة اختلافات فيما بينهم في أمور إيجابية وأخرى سلبية، أي في النجاح أو الإخفاق الذي يختصُّ به بعضهم دون بعضهم الآخر. يقال مثلاً "السياسة العربية" والفرق السياسي بين بعض الدول العربية وبعضها الآخر، كالفرق بين ضياء القمر وضوء "التيوب ليت". هناك سياسات تضع الوطن والمواطن فوق رأسها، وهناك سياسات تضعهما تحت قدميها. والأمر ذاته على مستوى الحُكّام، فيقال إن معظم "الحُكّام العرب" كأنهم توائم سياميون يتشابهون خَلقاً وخُلقاً، والشواهد تقول إن من بين الحُكام العرب من يذوب مواطنوه أمامه احتراماً، ومنهم من لو وقف بين مواطنيه لذاب هو من حرارة زفيرهم. وحين يصير الحديث عن "الأجهزة الأمنية والمخابراتية العربية" فهي تعذِّب وتنكّل بالمعارضين والمواطنين، وهذا ظلم لأجهزة أمنية ومخابراتية عربية لم تقتل معارضاً واحداً، وظلم أكثر لحكومات لا خصوم لها تقريباً. والأمر عينه بشأن ما يقال من إنه في "السجون العربية" يعترف الأسد بأنه غزال، بينما هناك سجون عربية يصدِّق فيها الأسد أنه ملك الغابة وليس مجرد سجين، وسجون عربية أخرى لا يعترف فيها الأسد بأنه غزال فحسب، بل إن أباه كان بلبلاً يغرِّد على الأشجار. ويقولون "السياحة العربية"، وهذا يعني وضع دول مثل مصر وسوريا في مكان واحد مع الإمارات، في حين أن السياحة في البلدين تعتبر فاشلة إذا ما قورنت بالسياحة الإماراتية، فالدولتان تملكان الكثير من مقومات السياحة لكنهما لا تستقبلان سيّاحاً بالقدر الذي تستقبله الإمارات التي تفتقر لكثير من هذه المقومات. ويقال إن "الكرة العربية" اقتربت من العالمية وحققت إنجازات قارية. نعم هي اقتربت إلى العالمية بأقدام السعوديين والمغاربة، ولها إنجازات قاريّة مصرية وسودانية ومغربية وجزائرية وتونسية وسعودية وكويتية وعراقية، لكن الباقين، الأقدام الإماراتية مثلاً، تاهت حتى بين أقدام الفيتناميين والهنود والباكستانيين، وليس لهم سوى إنجاز يتيم على المستوى الخليجي. أما نجيب محفوظ، العربي الوحيد الذي حاز نوبل الآداب، فهو يُذكَر عند الحديث عن "الرواية العربية"، فيتم تجييره لصالح جميع العرب، بينما تخلو بعض الدول العربية من روائي له وزن حتى في وطنه وبين ناسه؟ فمن يضع تجربة نجيب محفوظ ضمن "الرواية العربية" يضع بطيخة في بطنه مطمئناً على حالة العرب الروائية، والواقع ليس كذلك. حين تعوّم تجربة محفوظ ويصبح الرجل كعكة يتقاسهما الجميع، فإن البلاد العربية التي لم تنتج روائياً معتبراً تصدِّق نفسها ولا تلتفت إلى ضعفها في هذا الحقل الإبداعي، فهي ولله الحمد والمنة، أنجبت نجيب محفوظ، الروائي النوبلي. تعويم النجاح في أي مجال، يخلق نوعاً من البرود والكسل واللامبالاة عند الأطراف التي لم تنجح حقيقة بل وقفت على منصة التتويج من دون أن يدعوها أحد، وتعويم الفشل هو الآخر يغرق الفاشل الحقيقي في فشله أكثر ويعطيه نوعاً من الرضا والراحة النفسية لأن الجميع فاشل مثله و"كلنا في الهوا سوى"، ويجعل غير الفاشل زاهداً في عدم فشله ولا يعطيه الدافع لمواصلة النجاح.