مارك ترومبول يهدد الارتفاع الحالي الذي تشهده أسعار المواد الغذائية، قدرة المنظمات الدولية على تقديم المساعدات إلى السكان الذين يعانون المجاعة في أنحاء مختلفة من العالم. فحسب مؤشرات البنك الدولي، ارتفعت تكلفة المواد الغذائية الأساسية خلال عام 2006 بنسبة 21%، فيما يتعلق بالبيع بالجملة مقارنة مع عام 2005، مع زيادة في أسعار بعض المنتجات الرئيسية مثل الحبوب والزيوت إلى أكثر من 30% قياساً إلى أسعارها السابقة. وإذا كانت الزيادة في أسعار المواد الغذائية تعني تراجع كمية الطعام ونوعيته بالنسبة لفقراء العالم، فإن ذلك يعني أيضاً بالنسبة للمنظمات المانحة للمساعدات استنزاف مواردها. وقد جرت العادة أن تقوم الحكومات بضخ موارد إضافية في صناديق الدعم كلما لاحت أزمة إنسانية في الأفق، لكن المشكلة اليوم لا تكمن في وجود أزمة إنسانية بقدر ما تكمن في تراجع الموارد ذاتها. وفي هذا الإطار توضح "إيزا كوينين أسفو"، خبيرة التغذية في "منظمة الغوث الكاثوليكية" من مقرها بمدينة بالتيمور الأميركية، قائلة "إنه مع الارتفاع في أسعار المواد الغذائية وتكاليف الشحن، بدأ أداؤنا يتأثر"، مضيفةً أنه خلال هذه السنة "لم تتلقَ البرامج الإنسانية التي نشرف عليها، الكمية المنتظرة من المواد الغذائية". ورغم أن أسعار بيع المواد الغذائية بالتجزئة ظلت على حالها مقارنة مع أسعار بيعها بالجملة، فإن تكلفة الغذاء ارتفعت إجمالاً، سواء بالنسبة لمنظمات تقديم المساعدات أو بالنسبة للبلدان النامية. ويرجع الخبراء هذه الزيادة في الأسعار التي تطال المواد الغذائية إلى مجموعة من العوامل نجملها فيما يلي: -الطلب المتنامي على الحبوب بسبب استخدامها في إنتاج الوقود البيولوجي، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع سعر الحبوب، سواء تلك الموجهة للاستهلاك البشري أو المخصصة لأعلاف الحيوانات. -نجاح الهند والصين في انتشال الملايين من سكانهما من آفة الفقر، ضاعف الطلب على المواد الغذائية ذات القيمة العالية. -تزايد الطلب العالمي على المواد الغذائية أدى إلى تراجع المخزون العالمي مثل القمح الذي تراجع إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثين عاماً. -ارتفاع أسعار النفط على المستوى العالمي أثر سلباً على تكلفة بعض الخدمات المرتبطة بالمواد الغذائية مثل الحفظ في ثلاجات، والنقل والأسمدة الزراعية. ومع أن التضخم الحالي في أسعار المواد الغذائية لم يصل بعد إلى مستوى حرج ولم يؤثر على جهود الإغاثة، بما فيها البرامج التي تشرف عليها الأمم المتحدة، إلا أن المنظمات العاملة في مجال تقديم المساعدات تتخوف من تراجع المخزون العالمي من الغذاء، لاسيما في حالات الطوارئ والأزمات. والأكثر من ذلك حسب الخبراء، دفَعَ الارتفاع الملحوظ في أسعار المواد الغذائية بالولايات المتحدة إلى حصر مساعداتها الخارجية في الاحتياجات الطارئة، وهو ما يحرم برامج تقديم المساعدات بعيدة المدى من الموارد الأساسية. وفي هذا السياق تقول "كوينين أسفو" الخبيرة في مجال التغذية "إنه كلما تراجعت قدرتنا على مساعدة الدول الفقيرة على الاعتماد على نفسها في المدى البعيد، زاد احتمال تعرضها لأزمة طارئة في المستقبل". وبسبب ارتفاع تكلفة المواد الغذائية أنهت "ورلد فيجين"، المنظمة الخيرية المسيحية، برنامجاً رائداً في كينيا يساعد المزارعين على تحسين دخلهم، والذي ارتفع من 235 إلى 800 دولار سنوياً، من خلال إدخال تقنيات جديدة في الزراعة. وقد علق على المشروع "وولتر ميدلتون"، مسؤول المنظمة الخيرية في جلسة استماع أمام الكونجرس، قائلاً "كنا نتطلع إلى استنساخ تجربة كينيا الناجحة في مناطق أخرى مايزال فيها المزارعون يعتمدون على المعونات الحكومية، لكن ارتفاع الأسعار حال دون ذلك". وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه مايزال في العالم حوالي 850 مليون شخص يعانون بشكل أو بآخر من المجاعة وسوء التغذية. غير أن ذلك يمكن معالجته من خلال الاستمرار في تقديم المساعدات الإنمائية، على غرار المشروع الكيني الذي يضمن للأطفال الغذاء والتعليم والمعرفة الزراعية. بيد أن الاستثمار في المشاريع التنموية مايزال بعيداً عن التحقق، حيث غالباً ما تُعطى الأولوية لحالات الطوارئ ومواجهة الأزمات الإنسانية المستعجلة. وفي هذا السياق يُشار مثلاً إلى برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الذي خصصَ بالتعاون مع منظمات عالمية أخرى، مساعدات غذائية وصلت قيمتها الى ثلاثة مليارات دولار استفاد منها أكثر من 90 مليون شخص في العام الماضي. لكن حصة الأسد من المبلغ المرصود، صرفت على المساعدات الطارئة وعمليات الإغاثة، بينما لم تستثمر منها في المشاريع الإنمائية سوى 28%. ورغم أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية حسب "جريجوري بارو"، المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي في لندن، "لم يؤدِ بعد إلى إغلاق مشروع من المشاريع، إلا أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت إلى درجة سيكون لها تأثير سلبي إن آجلاً، أم عاجلاً". وحسب تقرير لمكتب محاسبة الحكومة التابع للكونجرس الأميركي، فقد تم صرف 1.2 مليار دولار من المساعدات الغذائية الأميركية في المشاريع طويلة المدى خلال عام 2001، لكن الرقم تراجع في العام الماضي إلى 698 مليون دولار فقط. ويضيف التقرير أن حجم المساعدات الغذائية التي كانت تمولها الحكومة الأميركية في إطار برامجها الخارجية تراجع بنسبة 52% خلال السنوات الخمس الأخيرة. ويُعزى السبب الرئيسي وراء هذا التراجع في حجم المساعدات الغذائية الخارجية إلى ارتفاع تكاليف النقل وباقي العمليات اللوجستية. ويأمل تحالف بين منظمات غير ربحية، بتنسيق مع الحكومة الأميركية، أن يصادق الكونجرس على قانون زراعي يسمح بتمويل مشاريع إغاثة بعيدة الأجل، وهو ما سيسمح بوضع خطط مستقبلية والتقليل من التكاليف اللوجستية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو هيئة تحرير "كريستيان ساينس مونيتور" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"