عادت قضية أخلاقيات زراعة ونقل الأعضاء البشرية، للظهور على الساحة الدولية مرة أخرى هذا الأسبوع، ضمن أخبار متفرقة من شرق الكرة الأرضية وغربها. ففي شرق الكرة الأرضية، أصدرت لجنة الفتوى الإسلامية بسنغافورة، فتوى خاصة بضرورة معاملة مسلمي الجزيرة، معاملة المتبرِّعين الراغبين أو التلقائيين (willing organ donor) عند وفاتهم. وتعود القضية إلى استثناء خاص، تمتع به مسلمو سنغافورة، والبالغ عددهم 300 ألف أو ما يعادل 15% من السكان، من قانون يسمح للأطباء بأخذ الأعضاء الصالحة للزراعة عند الوفاة، مثل القلب أو الكبد أو الكليتين، ما لم يظهِر الشخص سابقاً عدم رغبته في التبرع بأعضائه عند وفاته. أي أنه في سنغافورة، يعتبر كل شخص متوفًى، موافِقاً ضمنياً على أخذ أعضائه الصالحة للزراعة، ما لم يصرح قبل وفاته عن رغبته في استثنائه من هذا القانون التلقائي. ولكن بالنسبة لمسلمي سنغافورة، كان العكس هو الصحيح. أي أن كل مسلم في سنغافورة، يعتبر غير راغب في التبرع بأعضائه بعد وفاته، ما لم ينص صراحة في حياته على رغبته في التبرع. وحالياً من ضمن الثلاثمائة ألف سنغافوري مسلم، أظهر 16 ألفاً منهم فقط رغبتهم في التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم. وعلى ما يبدو، وإن كان من غير الواضح بشكل جلي، أن هذا الوضع كان يدفع بمسلمي الجزيرة إلى ذيل قائمة الانتظار المخصصة لزراعة الأعضاء، وهو ما يعتبر منطقياً. فإذا ما كانت طائفة دينية في بلد متعدد الطوائف والديانات مثل سنغافورة، لا يرغب أفرادها في التبرع، فمن المنطقي ألا يتمتعوا بنفس القدر من المساواة بالطوائف الأخرى التي تقبل بهذا القانون، عندما يتوفر عضو صالح للزراعة. هذا الاستنتاج الأخير، ربما كان هو الدافع خلف قرار اللجنة، برئاسة الشيخ "سيد عيسى سمايت" (Syed Isa Semait) بإصدار هذه الفتوى الأسبوع الماضي. ولذا من المتوقع، بعد أن يتم تغيير القانون بشكل رسمي بناء على هذه الفتوى، أن يتحسن وضع مسلمي سنغافورة على قوائم الانتظار. الخبر الآخر جاء من غرب الكرة الأرضية، وبالتحديد من مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، ويتعلق بتوجيه تهمة لجرَّاح متخصص في زراعة الأعضاء، بمحاولته تسريع وفاة شخص مُعاق، كي يتمكن من أخذ أعضائه ونقلها إلى شخص آخر. وحسب قرار الاتهام، قام الطبيب بحقن رجل في الخامسة والعشرين، مُعاقٍ بدنياً وعقلياً ويعيش على الأجهزة المسانِدة للحياة، بجرعات هائلة من المُسكِّنات والمنوِّمات، قبل أن يعلن عن وفاته رسمياً. ويضيف قرار الاتهام أن الطبيب المعني، قام بتغذية المريض قبل وفاته، بجرعات كبيرة من مطهِّر "البيتادين" من خلال أنبوب تغذية. ورغم أن هذا الإجراء يتم بشكل روتيني قبل عمليات أخذ ونقل الأعضاء، إلا أنه غالباً ما يتم بعد وفاة المتبرِّع. وليس من الواضح ما إذا كان الطبيب قد قام بتلك التصرفات نتيجة دوافع مادية، أو بسبب الضغوط الطبية المتمثلة في تواجد أكثر من 100 ألف أميركي على قوائم الانتظار، جميعهم في حاجة إلى نقل عضو لإنقاذ حياتهم. ومهما تكنْ دوافع الطبيب، سواء كانت مادية أو طبية، فالأكيد أن هذه القضية ستدفع بجراحي نقل الأعضاء إلى المزيد من الحذر والحرص في توقيت وكيفية أخذهم للأعضاء البشرية. والأكيد أيضاً، أن هذه القضية ستزيد من حرارة النقاش، حول أخلاقيات رفع المرضى عن أجهزة مساندة الحياة، وإعلان وفاتهم، كي يتم أخذ أعضائهم لاحقاً. ومن الواضح من الخبرين السابقين، أن علماء الدين وأفراد المجتمع الطبي يسعون حثيثاً لتسهيل الحصول على الأعضاء البشرية، كإجراء نهائي لإنقاذ حياة الكثيرين، في ظل النقص المزمن في ما هو متوفر من هذه الأعضاء. فحسب تقرير صدر عن المجمع البرلماني الأوروبي قبل سنوات، يوجد في أوروبا وحدها أكثر من 120 ألف شخص يعتمدون على أجهزة الغسيل الكلوي، و40 ألف شخص في انتظار توفر كلية صالحة. ويحذر التقرير أيضاً، من أنه بحلول عام 2010 سترتفع فترة الانتظار لأكثر من عشرة أعوام، وهي الفترة التي بلاشك سيلقى خلالها الكثير من المرضى حتفهم قبل أن يحين دورهم على القائمة. ولا يختلف الوضع كثيراً في الولايات المتحدة عنه في أوروبا، حيث تشير الإحصائيات إلى أن ثلاثة آلاف أميركي يموتون سنوياً في انتظار عملية زراعة كلية، بالإضافة إلى آلاف آخرين يلقون حتفهم أيضاً في انتظار زراعة كبد أو قلب أو غيرهما من الأعضاء الحيوية. وهذا الوضع المؤسف يحاول الأطباء تغييره من خلال عدة مجالات بحثية جديدة، ربما كان أهمها هو مجال أبحاث الخلايا الجذعية، التي يمكن من خلالها تخليق عضو جديد، بحيث تصبح أجسادنا مصدراً ذاتياً لا ينضب من قطع الغيار. وفي نفس الوقت يحاول العلماء استخدام أعضاء الحيوانات، بعد تعديلها وراثياً، كبديل عن الأعضاء البشرية. في هذا الأسلوب يتم استخدام أعضاء كائن من جنس ما، لزراعتها في جسد كائن من جنس آخر، وهو ما يعرف طبياً بالزراعة الدخيلة أو الزراعة الأجنبية. ولكن على الرغم من الآمال التي علقت على استخدام الأعضاء الحيوانية، ظلت هذه الفكرة -مثلها مثل الكثير من الأبحاث الحديثة في مجال زراعة الأعضاء البشرية- محاطة بالكثير من المشكلات الفنية والمعضلات الأخلاقية، التي لابد أولاً من إيجاد حلول دائمة لها قبل أن تصبح مثل تلك البدائل اختياراً عملياً واقعياً.