كشفت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس عند زيارتها للمنطقة الأسبوع الماضي، عن نية واشنطن توقيع اتفاقيات لتقديم مساعدات عسكرية إلى دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، وقالت إن هدفها موازنة التأثير السلبي لكل من "القاعدة" و"حزب الله" ودمشق وطهران، ولمواجهة تهديد التطرف وتعزيز دور القاهرة والرياض الريادي في المنطقة من أجل السلام في الشرق الأوسط، ولضمان استقلال لبنان وحريته. وأكدت رايس أن الاتفاقيات ستدعم أمن شركائنا الاستراتيجيين في المنطقة وفي إطار التعاون المستمر لمحاربة تنظيم "القاعدة"، مشددة على أن هذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية واشنطن لدعم المعتدلين في المنطقة. التساؤل الذي نود طرحه: هل يمكن تحقيق الاعتدال في المنطقة بمجرد توقيع اتفاقيات أمنية مع بعض الدول العربية المعتدلة، وشراء المزيد من الأسلحة؟ هل يمكن تحقيق الاعتدال والوسطية والاستقرار في المنطقة من خلال سباق التسلح بين دول المنطقة وإيران؟ كيف يمكن محاربة التطرف والإرهاب بدون وجود إطار فكري ورؤية واضحة لمستقبل المنطقة؟ لا يمكن لواشنطن تحقيق الاعتدال في كل من الرياض والقاهرة وبيروت وغيرها من العواصم في دول الاعتدال، ما لم يتم تحقيق السلام والاستقرار الدائم في المنطقة، من خلال الانسحاب الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية. الاعتدال والوسطية في المنطقة لن يكتمل لهما النجاح والتوسع إذا لم تكن هذه القضية.. قضية مجتمعية تتبناها الشعوب في المنطقة قبل الحكام. فالتطرف والإرهاب والعنف والمغالاة في الدين أساساً هي قضايا شعبية، ساعد على انتشارها بعض حكومات المنطقة نفسها باتخاذها قرارات غير مدروسة، تأخذ في الاعتبار الأبعاد الأمنية دون النظر إلى شمولية المشاكل وتعقُّدها. الدليل على ما ذكرناه هو الانتخابات التشريعية التي أجريت في المنطقة، فالانتخابات الحرة في كل من الكويت والبحرين، أوصلت جماعات الإسلام السياسي من الحركة السلفية و"الإخوان المسلمين" والمتطرفين من الشيعة، وفشلت القوى الوطنية والليبرالية التي تدافع عن الحريات الاقتصادية والسياسية. الانتخابات البلدية التي أجريت في السعودية وقطر حققت فوزاً للتيارات الإسلامية. حتى في مصر التي يتحكم فيها الحزب الوطني الحاكم استطاع "الإخوان المسلمون" تحقيق إنجاز بفوز 88 نائباً في الانتخابات الأخيرة.. ومعنى ذلك ببساطة أن الديمقراطية المعتدلة رغم محدوديتها، أدت إلى فوز التيارات الاستبدادية الأحادية الجانب، التي لا تؤمن بالحوار مع الآخر وتسعى إلى إقصائه. هذه التيارات الإسلامية أخذت تتوسع في الشارع العربي رغم اعتدال ووسطية الحكام في الوطن العربي.. والدرس المستفاد هنا، هو أن بعض قوى المجتمع تدفع إلى إجهاض الديمقراطية المحدودة إن وجدت بالوطن العربي، وتسعى إلى قيام نظام حكم إسلامي ديني. إن تركيز واشنطن على دعم الأنظمة المعتدلة لا يكفي لمحاربة الإرهاب والتطرف الديني.. بل المطلوب هو تشجيع دول المنطقة على التوفيق بين الحداثة والإسلام. ونعني بالحداثة، تبني الأنظمة للنظام المدني الذي يؤمن بالحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون والفصل بين السلطات، والتأكيد على حماية الحريات الفردية والأساسية للتعبير والتجمع والديانة والإيمان بالمساواة بين الرجل والمرأة. لنقلْها بصراحة للأنظمة الخليجية التي تريد تحقيق الوسطية والاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب: إن هذا الهدف لن يتحقق كما تريد واشنطن إذا لم يتم تبني سياسات حكومية منفتحة، تدعم تحرر المجتمع من الجمود، وتبتعد من الماضي، وتركز على الحاضر والمستقبل من خلال تعزيز تنمية الوطن وتحديثه، بعيداً عن سياسات الارتجال والتفرد في اتخاذ القرار.