في الفترة التي نعيشها من عمر الدولة تجري العديد من المؤسسات الاتحادية والمحلية العامة والخاصة تقويماً للعاملين فيها، بهدف تصنيف الناس إلى فئات مختلفة، ولهذا التصنيف أهداف كثيرة بعضها مُعلن، والله أعلمُ بما خفِيَ منها. ومن أهداف هذه العملية، عند البعض، إثبات عجز وفشل بعض المواطنين عن القيام بالدور المطلوب منهم. ومن هنا جاء هذا المقال، ليس كردة فعل عاطفية بل كوجهة نظر تحتمل الصواب والخطأ، وإن كان رأيي للصواب هو الأقرب من وجهة نظري الخاصة، لكنني منفتح لوجهة النظر التي تعارض رأيي. للجواب على هذا السؤال الذي بدأنا به المقال احتمالات ثلاثة هي: نعم وربما ولا. الاحتمال الأول هو الأسهل، نعم يفشل بعض المواطنين عن القيام بالدور المطلوب منهم لأسباب كثيرة، لكن من أهمها عدم رغبة ذلك الموظف في التطور والنمو، وبالذات في بيئة العمل التي نعيشها والتي رفعت شعار: تَطوَّرْ أو انْدَثِرْ. بإمكاننا من الناحية التربوية تغيير الإنسان وتطويره بشرط أساسي هو وجود الرغبة الصادقة في التطور قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد - 11). عند بعض الإخوة المواطنين نفسية غريبة التوجُّه وهي: بما أني مواطِنٌ فأنا فوق التقويم، ولن يجرؤ أحد على مساءلتي أو محاسبتي، ومن ثم لن أُفصل من عملي. وشعارهم: التقويم والفصل إنما هو للوافدين، أما أنا فقد حفِظتْ لي الدولة حقوقي في العمل مدى الحياة، سواء قمتُ بالدور المطلوب مني أم لا. مثل هذا المواطن تجِده يأتي متأخراً عن الدوام وينصرف باكراً، وفي أثناء عمله ربما يقوم بأشياء كثيرة إلا متطلبات العمل، لذلك تجده لاهياً بأعماله الخاصة التي يخصص جزءاً من فترة الدوام لإنجازها، وإن لم يكن لديه عمل خاص فهناك الماسنجر والهاتف النقال والقيل والقال. البشرى هي أن هذه الفئة قليلة جداً. الاحتمال الثاني هو "ربما"، وتحت هذا الاحتمال هناك عدة خيارات وأسباب للفشل مردها خارجي وليس رغبة ذاتية عند الفرد. من الأمثلة على ذلك تولي بعض المواطنين لمنصب مهم دون وجود الشهادات والخبرات اللازمة لذلك، ومن هنا نجده يشارك في الاجتماعات بلغة الصمت، ويقوم الغير بالدور الذي من أجله يصرف له راتبه الشهري. وبرزت لدى بعض المؤسسات الإدارة الفعلية والإدارة الشكلية، فتجد أن بعض المواطنين يرأسون شكلاً أو ظاهراً تلك المؤسسات، أو هذه المناصب، ولكن الجميع من حولهم يدركون اللاعب الأساسي في الميدان، ويفهم كل الموجودين أن الدور المطلوب من هذا الشخص هو الصمت والتوقيع والله ستَّار يحب الستر على عباده. ومن أبرز ما يقوم به هذا الصنف من المسؤولين هو محاربة العناصر المواطنة الكفؤة، والاستعاضة عنهم بخبرات وافدة أو مواطنين من نفس شاكلته، حتى يكتمل بهم العِقد الذي تجمل به طاولات الاجتماعات. ومن أسباب هذا الاحتمال كذلك أن بعض المؤسسات تعيِّن المواطن المناسب لكنه لا يدرب على الجديد، ولا ينفق من ميزانية المؤسسة إلا القليل على التنمية المهنية لهذا المواطن، لذلك يبدأ في التدرج مما كان عليه إلى الأسوأ، وفجأة يكتشف المسؤول عنه أن هذا المواطن يغرِّد خارج السرب، فإما أن يُجمِّده في مكانه دون صلاحيات تذكر، أو يحيله على التقاعد المبكر إذا سمحت اللوائح بذلك. وتحت هذه الخانة نجد المواطن الذي قرر مديرة تجميده عن العمل لأسباب ليس للعمل فيها ناقة ولا جمل، فهو لا يعجب المدير أو لا يتقرَّب إليه ولا يتودد، أو هو من المعارضين لسياسات المسؤول لعدم قناعته بها. انظرْ حولك في مكان عملك، ثم ساعِدني في اكتشاف الصنفين الواردين في هذا المقال، وفي الأسبوع القادم سنناقش الاحتمال الثالث وهو "متى" ينجح المواطن.