الرئيس الفلسطيني محمود عباس في موسكو يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدداً من المسؤولين الروس ويلقى دعماً قوياً. ومعلومات من موسكو تقول: إن قراراً روسياً اتخذ بتقليص التنسيق مع حركة "حماس". والناطق باسم "حماس" يبرر ذلك بأن الأمر "لا يتعدى حدود اللياقة السياسية مع رئيس السلطة الفلسطينية"! وفي نيويورك، نجد قطر العضو العربي في مجلس الأمن تتقدم بمشروع بيان رئاسي لمعالجة الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة. حركة "حماس" تؤيد المشروع. أما السلطة الفلسطينية، فتعتبر أنه "تكريس الانقسام بين غزة والضفة"! وتنتقد عدم تنسيق قطر معها وهي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. ورئيس السلطة رغم عمق المشكلة مع حركة "حماس"، فهي تؤكد دائماً شرعية الرئيس ودوره وموقعه والتزامها بصلاحياته! وفي القاهرة، اجتماع لوزراء الخارجية العرب، حضره رئيس الحكومة الفلسطينية وزير الخارجية سلام فياض. خلال الاجتماع كانت مداخلة للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى اعتبر فيها أن القضية الفلسطينية ليست فلسطينية حصراً إنما هي قضية عربية، فكان تأييد من حركة "حماس"- خارج الاجتماع- وانتقاد من السلطة داخل وخارج الاجتماع مبنياً على اعتبار الموقف "انحيازاً لصالح طرف عربي محدد يحاول استخدام القضية ورقة لتحسين موقفه التفاوضي، وله مواقف تخالف الإجماع العربي..." كما نقلت وكالة أنباء "فلسطين برس" الرسمية. وفي غزة، اهتزازات أمنية دائمة. ومشاكل على الأرض امتدت لتصل الى إطلاق نار بين "القوة التنفيذية" التابعة لـ"حكومة حماس" وبين "الجهاد الإسلامي" الفصيل الحليف للحركة! مع استمرار التوتر بين "حماس" "وفتح" إثر المشاكل الخطيرة التي حدثت في تموز الماضي. وفي غزة أيضاً، وزارة إعلام "حكومة حماس"- والوزير مصطفى البرغوثي لا يمارس صلاحياته منذ تشكيل حكومة سلام فياض- منعت تلفزيون فلسطين من بث أي برنامج من القطاع! وفي الضفة، أثار انفجار في سجن جنين التابع للسلطة الفلسطينية في نابلس، ويحتجز فيه معتقلون من "حماس"، حالة من القلق لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية من جهة وحركة "حماس" على حد سواء. وتم تسريب معلومات تفيد بأن الحركة وعبر أجنحتها العسكرية أعطت الضوء الأخضر لمهاجمة السلطة في الضفة، ورد بعض المسؤولين في أجهزة السلطة الأمنية مهددين بمعاقبة من يقوم بمثل هذه الأعمال"! هذه نماذج من الانقسامات والخلافات الفلسطينية الخطيرة التي تنعكس سلباً على الجميع. وهي تأتي في وقت، تستكمل فيه إسرائيل إجراءاتها العدوانية الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني. تجتاح شمالي غزة، تقتل من تقتل، وتستهدف المناضلين، وتجرف الأراضي وتهدد بتوسيع دائرة الاجتياح والاحتلال. وعلى المعابر تمنع دخول الفلسطينيين الذين يعيشون حالة من الذل والقهر والمعاناة لا توصف. والصراع يدور بين السلطة و"حماس" على من يستطيع إدخال هذا أوذاك إلى "البلاد"، ومن يؤمن المال للعالقين على المعابر لـ"تعزيز صمودهم"! وأي صمود؟ وفي وجه من؟ ولماذا؟ وتكمل إسرائيل دورها فتوافق على إطلاق سراح أسرى بعدد قليل جداً جداً وعلى قاعدة فرز سياسي واضح، لتعود وتعتقل أكثر، وتعمق الخلاف بين الفلسطينيين. وعلى معابر أخرى، يعاني اللاجئون الفلسطينيون القادمون من العراق معاناة كبيرة وخطيرة، وليس ثمة توافق بين القوى الفلسطينية المختلفة على كيفية التعاطي مع هذه الأزمة، فالشاطر بشطارته كما يُقال! يرتب بعض الأوضاع لكن المشكلة إلى تفاقم. وفي لبنان، حلت كارثة "نهر البارد" على اللبنانيين والفلسطينيين من خلال مجموعات إرهابية تنكّر لها الفلسطينيون بالإجماع ولو إعلامياً، وتنكّر لها اللبنانيون ودفع الجيش ولبنان ثمناً غالياً من دماء أبنائه لوضع حد لها. لكن النتائج مؤلمة. ألوف من الناس نزحوا ومخيم دمر والجرح مفتوح وليس ثمة توافق فلسطيني- فلسطيني على المعالجة، وهذا يترك آثاراً سلبية على أي أمر يُطرح حول وضع المخيمات والسلاح الفلسطيني خارجها أوداخلها، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في لبنان. والمشكلة الكبرى هنا، في كل ما يجري، هي أنه وبعد عقود من الزمن من الدعم والرعاية والمواكبة والتأييد للقضية الفلسيطينية وللشعب الفلسطيني، ثمة من يطرح أسئلة كثيرة اليوم عندما يتطلع إلى الواقع الفلسطيني. فالقضية الفلسطينية قضية عربية بمعنى المسؤولية العربية، هذا صحيح. وفي الوقت ذاته القرار الفلسطيني يجب أن يكون مستقلاً، وهذا صحيح. والخيط الفاصل بين الأمرين رفيع جداً. لكن العقدة اليوم تكمن في أن القرار الفلسطيني غير موجود فعلياً. وإذا وجد فهو موضع خلاف وانقسام داخلي، ينعكس خلافاً وانقساماً في الخارج، في أحلى الحالات، فكيف إذا كان ثمة من ينحاز الى هذا الفريق من جهة، ومن ينحاز إلى الفريق الآخر من جهة ثانية، والكل يبحث عن مصالح، أما الشعب الفلسطيني فمصالحه مهددة؟ ليس المشهد الفلسطيني مشهداً مريحاً ومقبولاً على الإطلاق. ولا يمكن للمسؤولية العربية أن تكون إيجابية ومؤثرة في التعاطي مع القضية الفلسطينية إذا كانت الانقسامات ستبقى مستمرة وبالتالي، لن تكون حلول- هذا إذا طرحت حلول لكننا نناقش حالة ومبادئ واحتمالات الآن- إذا كان المعنيون سينتظرون الإجماع الفلسطيني أي موافقة كل الأطراف. هكذا تصبح القضية رهينة مزاج أومصالح أومشاريع أوعقد أوعقائد هذا الطرف أوذاك التي يمكن معها لسوء الإدارة والخلاف والواقع العربي والدولي ولعبة المصالح أن تطيح بكل شيء. ما يجري يفيد إسرائيل ويريحها ويجعل عامل الوقت لمصلحتها في وقت يجب أن يكون فيه لمصلحة الفلسطينيين المؤهلين إذا ما توحدت مواقفهم لفرض شروطهم دون مبالغة، لأن اسرائيل في أزمة وحليفتها وحاميتها أميركا في أزمة أيضاً. ومهما تعقدت الملفات وتشابكت القضايا وتنوعت الخلافات واستخدمت ساحات، فإن القضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية. وحلها هو المنطلق لحل مشاكل كثيرة. من هذه الزاوية فإن الفلسطينيين هم أصحاب الكلمة الفصل، ويمكن أن يكونوا أقوى وأشد لاسيما في ظل التعنت الإسرائيلي. لكن العالم لن ينتظر إلى ما لا نهاية "رضا" هذا الفصيل أوذاك وهو يشارك في تدمير الصيغة الفلسطينية ويعمق الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني، ويسيء إلى قضيته. إن المطلوب اليوم توافق الحد الأدنى بين الفلسطينيين، ليبنى عليه برنامج سياسي ينطلق من الدستور الفلسطيني والمؤسسات القائمة وبضبط الأوضاع في الداخل ويتوجه إلى الخارج بكلمة واحدة ورؤية واحدة، بما يساعد على معالجة المشكلة الأم في فلسطين، أويعزز صمود الفلسطينيين على أرضهم إذا كان رفض إسرائيلي أميركي لحل عادل وشامل، ويلقون دعماً قوياً من الخارج، من العرب وغيرهم، كما يساعد على لملمة أوضاع الفلسطينيين في الشتات وضمان مصالحهم واستقرارهم، حيث هم، حتى بتِّ موضوع عودتهم. المسؤولية فلسطينية بالدرجة الأولى. والصورة اليوم ليست جيدة أبداً، إذ تكاد تضيع المسؤولية لتضيع معها القضية.