ما هي محددات ومبادئ السياسة الخارجية لسلطنة عمان تجاه دول الخليج العربي؟ وكيف تجلى البعد الأمني في الطروحات العمانية حول التعاون الخليجي؟ وما الذي يميز الموقف العماني إزاء قضايا وأزمات المنطقة؟ ربما شكلت تلك التساؤلات إطاراً عاماً ينتظم كتاب "الرؤية العمانية للتعاون الخليجي"، لمؤلفه الدكتور محمد بن مبارك العريمي، إذ يوضح أن عمان من خلال تجربتها الطويلة، أدركت بأن السمة الغالبة على التوجهات الدولية في الحقبة الحالية، هي سمة بناء التكتلات الإقليمية الكبرى، ومن ثم فقد آمنت بمجلس التعاون لدول الخليج العربية كصيغة تعكس شعور أبناء الخليج قاطبة، بوصفهم مجموعة متناسقة في منطقة واحدة وذات مصير مشترك. وقد أسست سلطنة عمان سياستها الخارجية وفق جملة مبادئ أهمها: دعم التعاون بين دول المنطقة خدمةً لمصالح شعوبها، ودفع مسيرة التقدم الخليجية، وبناء القدرات الذاتية لدول المجلس، والإسهام في تطوير تجربته التكاملية، وتطويق الخلافات بين أعضائه، ومساندة الجهود الدولية من أجل التسوية السلمية للمنازعات بين دول المنطقة. وحسب رؤية السلطنة، فإن هناك أسباباً ثلاثة رئيسية أدت إلى قيام المجلس؛ وهي الفراغ الذي أعقب انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج، وأطماع شاه إيران في الإطلاع بالدور السابق لبريطانيا في المنطقة، وأخيراً قيام الثورة الإسلامية في إيران وما رافقها من تهديدات وردود أفعال. ورغم أن المجلس وضع بعض الأسس لبناء التجمع الخليجي، إلا أن عمان ترى أنه لم يصل بعد إلى مستوى يمكنه من تقديم صيغة تتناسب مع تطلعات المنطقة. لذلك كثيراً ما أعربت الحكومة العمانية عن قلقها من غياب التنسيق والتعاون بين دول الخليج العربية، مما أدى إلى إضعافها وتهديد أمنها الجماعي. ورغم ذلك -يقول المؤلف- فإن عمان "اضطرت إلى مجاراة الاتجاه العام، وذلك حرصاً منها على إنجاح التجربة". وفي الجانب الاقتصادي الذي يمثل أساساً من أسس التعاون بين الدول الخليجية، يؤكد المؤلف أن عمان دعمت بكل قوة التوجهات الاقتصادية للمجلس، ومن ذلك إقرارها المبكر لاتفاقيته الاقتصادية، كما عملت على بلورة سياسات اقتصادية مثمرة، وعملت على توطين كثير من المشروعات الخليجية المشتركة. بعد ذلك يستعرض الكاتب عناصر المنظور العماني لأمن الخليج، ويرى أنها تشكلت من مصدرين: أولهما هو ما فرضته الحقائق الجيواستراتيجية متمثلة في الموقع الذي تحتله سلطنة عمان على مدخل الخليج العربي (مضيق هرمز)، وثانيهما هو الخبرة التاريخية التي تشكلت لدى السلطنة من خلال تجاربها مع القوى الدولية والإقليمية في مياه الخليج والمحيط الهندي. لهذا فقد بدأت عمان طرح مشروع عربي لأمن الخليج منذ منتصف السبعينيات، لاسيما أن إيران في ظل الشاه تحالفت مع الولايات المتحدة لإعاقة هذا المشروع، لكونه تعامل مع أمن الخليج من منظور الأمن القومي العربي. ثم تأكدت الحاجة الى المشروع العماني أيضاً بعد مجيء الثورة الإسلامية الإيرانية، وما أظهرته من طموحات لقيادة الخليج والهيمنة عليه. لكن فكرة الأمن الخليجي انهارت بعد غزو العراق لدولة الكويت عام 1990، فبدأت تتبلور نظرية أمنية جديدة، كان لعمان نصيب منها. ووفقاً للمؤلف فقد قامت الرؤية العمانية لأمن الخليج على أسس؛ أولها أن الأمن يتحقق عن طريق بناء القوة وإقامة التعاون والتنسيق بين دول الخليج، وثانيها ضرورة إيجاد مساحة من التفاهم بين دول الخليج العربية وكذلك بين هذه الدول والدول الأخرى ذات المصلحة الحيوية في المنطقة. أما الأساس الثالث فهو أهمية إدارة العلاقات مع القوى الدولية، خاصة فيما يتصل بالنفط وبالمرور الآمن للسفن. وإبرازاً للنظرة العمانية حول الأمن في الخليج، يسلط المؤلف بعض الضوء على اثنتين من أبرز القضايا الخليجية. ففيما يتعلق بالحرب العراقية- الإيرانية، تعاطت عمان بموضوعية مع تلك الحرب، من خلال الإقرار بأن إيران دولة قوية صاحبة أكبر إطلالة على الخليج، وأن من الحكمة عدم معاداتها. وفي الوقت نفسه رأت السلطنة أن الثورة الإيرانية زادت من خطورة الإخلال بتوازنات القوة في المنطقة، خاصة أن دول الخليج غير قادرة فرادى على التعامل مع إيران عسكرياً، لذلك فقد دعت مسقط إلى إيجاد صيغة تحتوي النزاع الذي شكل تهديداً لأمن المنطقة بأسرها. أما الموقف العماني من غزو العراق لدولة الكويت، فقد انطلق – كما يقول المؤل- من ثلاثة محددات رئيسية؛ أولها استراتيجي، وملخصه أن ذلك الغزو يمثل إخلالاً جسيما بتوازنات القوى، وينذر بمزيد من الصراعات الإقليمية والتدخلات الأجنبية. أما الثاني فهو ديموغرافي، كونه لا توجد لأي من العراق أو الكويت امتدادات بشرية (سكانية) داخل السلطنة، ومن ثم فالأزمة لن تؤدي إلى الإخلال باستقرارها السياسي. وأخيراً المحدد القومي العربي، والذي كان يحول دون ترجيح أحد طرفي الأزمة بشكل كامل على حساب الطرف الآخر. وعلى ضوء ما سبق رسمت سلطنة عمان موقفها من الأزمة، منذ اليوم الأول لتفجرها، في حدود متطلبي الانسحاب العراقي الكامل من دولة الكويت، وعودة الحكومة الشرعية إليها. كما قادت عمان الجهود العربية لإدانة الغزو، وأيدت جميع القرارات الدولية الصادرة حوله، ثم شاركت بقوات عسكرية في حرب التحرير. وبذلك يخلص المؤلف إلى أن السلطنة لم تفتأ تستثمر جميع إمكاناتها وقدراتها في سبيل إيصال التعاون الخليجي إلى أهدافه، لاسيما من خلال منهجيتها الهادئة في حل النزاعات، والأخذ بسياسة اللجوء إلى الوسائل السلمية، وتثمين المشتركات وماسحات التفاهم والاتفاق. محمد ولد المنى الكتاب: الرؤية العمانية للتعاون الخليجي المؤلف: محمد بن مبارك العريمي الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2007