الأوضاع في العراق تنزلق، يوماً إثر الآخر، نحو هوة الحرب الأهلية الشاملة. وكما تشير دروس تاريخ هذا النوع من الحروب، فإنها تلقي بأوزارها الكارثية على جميع الأطراف ذات الصلة. لكن قبل أن تقع الكارثة، كيف السبيل لدرئها من الأساس؟ وإذا ما وقعت، كيف يمكن تجنيب المنطقة شر تداعياتها الإقليمية الأكيدة، وبصفة خاصة تأثيراتها السالبة على منطقة الخليج العربي؟ البدء بتقديم الإجابات عن هذا النوع من الأسئلة، هو موضوع هذا الكتاب ومحوره، مع العلم أنه أعد تحت رعاية مؤسسة "بروكينجز"، وتم تنفيذه عبر برنامج "سابان" للدراسات الشرق أوسطية. أما مؤلفا الكتاب، "دانيل بايمان" و"كنيث بولاك"، فهما باحثان تابعان لمؤسسة "بروكينجز". ويحدو الكاتبين الأمل في أن تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها العراقيون مخرجاً من الحرب الأهلية التي تشير كل الدلائل والمؤشرات إلى أن العراق قد ينزلق إليها. وبما أن واشنطن وبغداد فشلتا في الوفاء بما وعدتا به، أي تجنيب العراق تلك الحرب ومخاطرها، فقد آل الأمر بمؤلفي هذا الكتاب، إلى الاعتقاد بضرورة بدء الولايات المتحدة وحلفائها، في التفكير الجاد والعملي في كيفية التصدي لتداعيات هذا الإخفاق المتكرر في تحقيق مساعيهما هناك. وفي معرض إعداد هذه الدراسة، فقد لوحظ من خلال الأخذ بشواهد تاريخ الحروب الأهلية السابقة، أن هناك نقطة ما للاعودة، غالباً ما يصلها النزاع المفضي إلى الحرب الأهلية الشاملة. والمقصود بهذه النقطة، تلك اللحظة التي تبدو فيها الدوافع السيكولوجية الجامحة والمتحفزة لإشعال الحرب الشاملة، غير قابلة للكبح ولا للعودة إلى حالة التريث والهدوء الذهني. والغريب أن حالة من الغشاوة أو العمى الكامل، تصيب أطرافها عندئذ، فلا يدركون مطلقاً ما هم مقدمون عليه. ونظراً لما يجري ميدانياً في العراق اليوم، فإن وقف اندلاع حرب كهذه، يتطلب جهداً سياسياً وأمنياً خارقاً، من جانبي واشنطن وبغداد وكافة الدول الصديقة والحليفة في المنطقة. لكن ومن أسف، فإن مؤشرات التاريخ كلها، تشير إلى تكرار ذات الأخطاء التي ارتكبتها الأطراف المتورطة سابقاً في الحروب الأهلية هذه، وبالتالي إلى عجز تلك الأطراف عن كبح جماح لحظة اللاعودة التي يعقبها الانفلات الحتمي. وضمن ما قام به المؤلفان في هذه الدراسة، وضع قائمة بمؤشرات عامة على انزلاق العراق باتجاه الحرب الأهلية منذ ربيع عام 2006، حيث لاحظا أن الأوضاع تفاقمت وساءت على الصعيد العملي، لتتجاوز كل المؤشرات الدالة على ترجيح نشوب الحرب الأهلية، على نحو ما نرى اليوم، حتى بعد تطبيق الاستراتيجية الأمنية الجديدة، والتي يقودها الآن الجنرال ديفيد بترايوس. وفي إطار المقارنة التاريخية بين تلك المؤشرات، وحالات الحرب الأهلية التي شهدتها دول أخرى، فقد فصّل المؤلفان دراستهما لتجارب هذه الحروب في كل من لبنان وأفغانستان والبوسنة والشيشان وكرواتيا وجورجيا وكوسوفو، مروراً بنزاعات إقليم ناجورنو كراباخ وطاجيكستان، وصولاً إلى نزاعات الصومال والكونجو، والتي لا تزال نيرانها مستعرة إلى اليوم. وتضمنت دراسة الحالات السابقة، استخلاص الدروس التاريخية التي تبين كيفية تأثير النزاعات الأهلية سلباً على مصالح الدول الإقليمية. وأمام تلك المقارنات التاريخية، يتعين على الولايات المتحدة تبني استراتيجية جديدة لها في العراق، لاسيما في حال تدهور أوضاعه نحو حرب أهلية شاملة. بيد أن الالتزامات المطلوبة للحيلولة دون اندلاع الحرب الشاملة، هي نفسها الالتزامات المطلوبة من كلا طرفي النزاع، لدرء تداعياتها وتأثيراتها الكارثية، في حال صيرورتها إلى واقع عملي لا مفر منه. والملاحظ أن كلاً من واشنطن وبغداد، تواصلان تمنعهما وخيبتهما في الوفاء بالتزاماتهما إزاءها في كلتا الحالتين. ورغم الصعوبة العملية في تلخيص وعرض كافة الأفكار التي حواها الكتاب، في هذه المساحة الضيقة المحدودة، إلا أنه تمكن الإشارة إلى أن الدراسة المفصلة التي احتوى عليها شملت أنماط انتشار الحروب الأهلية وتداعياتها الإقليمية، مع تبيان التداعيات المتوقعة في الحالة العراقية خاصة: الأزمات الإنسانية والأمنية والسكانية الناشئة عن مشكلة تزايد عدد اللاجئين، تقوية وتعضيد شوكة النشاط الإرهابي عراقياً وإقليمياً، انتشار موجة التطرف الديني والسياسي على النطاق الإقليمي كله، تمزيق أوصال المجتمعات المحلية والإقليمية، وزيادة التناحر الطائفي والديني والعرقي فيما بينها، الخسائر المالية والاقتصادية الباهظة، بما فيها بالطبع وفي مقدمتها الموارد والثروات النفطية الإقليمية التي يزخر بها العراق خاصة، والدول الخليجية عامة، فتح الأبواب واسعة أمام التدخلات الخارجية، وخوض حروب الوكالة عن هذا الطرف أو ذاك من أطراف النزاع العراقي كأذرع للدول المجاورة وحلفائها الداخليين. أما قائمة التوصيات اللازمة لدرء انتشار التداعيات الكارثية لحرب أهلية شاملة محتملة في العراق، فشملت 13 توصية، منها على سبيل المثال؛ أنه على واشنطن التزام الحياد إزاء كافة الأطراف العراقية المتنازعة، وتفادي عدم مؤازرة هذا الطرف ضد ذاك، تفادي أي دعوة لتقسيم العراق على أساس طائفي أو ديني أو عرقي في الوقت الراهن، انسحاب القوات الأميركية من مراكز التجمعات السكانية العراقية، ضرب البنية التحتية للإرهاب، الحيلولة دون التدخلات الأجنبية، الحد من التوترات الإقليمية –بما فيها المواجهة الحالية بين واشنطن وطهران- والعمل على خلق بيئة أمنية أكثر استقراراً في المنطقة المجاورة للعراق برمتها. عبد الجبار عبدالله الكتاب: الأشياء تتداعى: احتواء تداعيات الحرب الأهلية العراقية تأليف: دانيل بايمان وكنيث إم. بولاك الناشر: مطبعة مؤسسة بروكينجز تاريخ النشر: 2007