يتخرج الطالب من المدرسة وهو واثق أن أحمد شوقي هو أمير الشعراء وليس فريد شوقي، وأن "السافانا" نوع من أنواع الحشائش وليست مدينة قريبة من عاصمة كاسترو "هافانا"، لكنه يجهل الكثير من الأمور الحياتية، فربما يتصوّر أن الضرر الوحيد للسمنة في عمر مبكر هو أن السمين يصبح أضحوكة في المدرسة، وليس للمشروبات الغازية من ضرر سوى أنها تستنزف الدراهم... وإذا حُرم الطالب من والدين جرّبا الحياة قبله بعقود، أو أشقاء يكبرونه يتخذهم مستشارين؛ فمن المتوقع أن يتخبّط في حياته يميناً وشمالاً. في بريطانيا لاحظوا وقوع الطالب بعد تخرّجه من المدرسة في الحفرة المعرفية بين ما يأخذه على كرسي الدراسة وما يواجهه في عالم الكبار. وقال مسؤول المناهج متهكماً: "هل نسلّط الضوء على معركة النيل بين الأسطولين البريطاني والفرنسي قبل أكثر من قرنين، أم نعلّم الطلاب كيف يأخذون قرضاً سكنياً ويديرونه؟". لذلك تعمل إدارة المناهج هناك على استقطاع 25% من المنهاج لصالح المهارات الأساسية التي يحتاجها الطالب مثل إدارة المال والديون والطبخ والتحذير من مخاطر السمنة في سنّ مبكرة وتأثير المخدرات والكحول والتبغ والتثقيف الجنسي، ومن دون حذف شيء من تلك المناهج، وإنما ستبقي ما لا تراه ضرورياً ليصبح اختيارياً للطالب. ولست خبير مناهج لكنه مجرد اقتراح، و"الاقتراح بالحق فضيلة" كما أفهم، بأن تتنازل الكتب الدراسية عن بعض صفحاتها لصالح كتاب يعلّم الطالب أساسيات ما بعد التخرّج، خاصة وأننا نعيش عصر الإهمال الأسري، وحتى الأسر المهتمة بأبنائها، فالكثير من الأبناء يتأففون من النصائح لأنهم يعتبرونها أوامر، ولا يصبح المراهق مراهقاً إذا كان يلتزم بالأوامر. صحيح أن الحياة تُعاش ولا تلقّن، وتُكتسب ولا تعلّم، لكن وضع خطوطها العامة في كتاب، لا يضرّ، وينفع بالبداهة. في كتاب الحياة دروس عن الزواج الناجح والأسرة المثالية، وعن الصحة والغذاء: كيف تأكل لتعيش طويلاً وكيف تأكل لتعيش قليلاً، وعن القوانين والعقوبات: ستُعتبر بعد التخرّج في نظر القانون الجزائي شخصاً بالغاً، وعن السجائر والخمور والمخدرات: ماذا يفعل الإدمان وأين ينتهي المدمن؟ وعن الدواب الميكانيكية، السيارات والدراجات، والكوارث التي يمكن أن تحصل بسبب الطيش والسرعة الزائدة، وعن الإنترنت: فهو لا يصلح ليكون مرجعاً دائماً خاصة وأن الخبراء يؤكدون بأنه أفضل جامعة للعبث بالعقول وتجنيد الشباب في التطرف والإرهاب، وعن الرياضة: هي استثمار للاعب وترويج لاسم بلاده وليست مجرد وسيلة للمحافظة على الصحة، وعن الجامعات: تخصصاتها وما يحتاجه سوق العمل في الوقت الراهن، وعن البنوك: كيفية عملها وطرق الادخار والاستثمار. وبخلاف الكتب الأخرى التي يعدّها المتخصصون، فإن كتاب الحياة بحاجة إلى الاستئناس بآراء الناجحين والفاشلين في المجالات التي يحتويها، ثم يعكف الخبراء على صياغة تلك التجارب والخبرات بلغة سهلة وظريفة بعيدة عن المواعظ والنصائح المباشرة... ربما يفيد كتاب الحياة عشرات الطلاب الذين ضاع مستقبلهم الدراسي أو المهني أو حتى ضيّعوا حياتهم برمتها أو ضيعوا سني عمرهم وهم يجربون هنا وهناك ويتخبطون في هذا الجدار وذاك، خاصة من لم يكن لهم مستشارون أو لم يكونوا يتقبلون فرمانات وأوامر أسرهم.