بكل أسف، كلما حاولت دول الخليج العربي تحسين العلاقة بينها وبين إيران، يخرج علينا أحد المسؤولين الإيرانيين بادعاءات تسمم العلاقة بين الطرفين، خاصة عندما تكون مثل هذه الادعاءات صادرة عن شخص في السلطة مثل "شريعتمداري" مستشار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ورئيس تحرير صحيفة "كيهان" الإيرانية، وذلك في مقال كتبه يوم 9/7/2007، ادّعى فيه أن جزر الإمارات جزر إيرانية، وأن البحرين محافظة من محافظات إيران! صحيح أن وزير الخارجية الإيراني "منوشهر متقي"، زار البحرين وأعلن هناك "أن البحرين وإيران تحترمان سيادة كل منهما وسلامة أراضيهما وأن ما ينشر في بعض الصحف ووسائل الإعلام في كلا البلدين لا يؤثر في هذه السياسة الثابتة بين البلدين". لكن مشكلتنا مع إيران ليست في الادعاءات ثم التراجع المؤقت، كما تفعل إيران منذ أيام الشاه... المشكلة الحقيقية في النوايا الإيرانية الراغبة في الهيمنة والتوسع في المنطقة والخطاب السياسي المزدوج، ومثال على ذلك موضوع جزر الإمارات، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، والتي تحتلها إيران والتي تثبت كل الوثائق التاريخية أنها جزر إماراتية، حيث نجد "غلام علي حداد عادل" رئيس مجلس الشورى الإيراني، يقول في مقابلة صحفية حديثة "إن إيران لا تستعمر أحداً ولا تحتل أراضي دول أخرى ولا تتدخل في شؤون الآخرين"! وعندما سئل أثناء المقابلة: ماذا تسمي احتلال الجزر الإماراتية؟ قال: "إنها جزر إيرانية، وهذا الموضوع لا يجب أن يشكل عقدة أو أن يكون موضوع خلاف". هذا الخطاب هو ما يقلق دول المنطقة، إيران منذ ثمانينيات القرن الماضي وهي تفتعل الأزمات وتثير القلاقل، وهي تنظر إلى أمن المنطقة من منظور الهيمنة والتوسع وليس من منظور الشراكة وحسن الجوار. إيران تريد التوسع والهيمنة، وأن تكون شرطي الخليج، تريد أن تأخذ دور مصر والسعودية في المنطقة، وتريد تصدير الثورة. وحسب أحد الخبراء، فإن هناك دوائر في إيران تؤمن بأن الثورة الإيرانية "آن" لها أن تظهر بصمتها على الخريطة الشرق أوسطية، لأن ميزان القوى لصالحها، ومن ثم يجب أن تقوم بالتغيير اللازم لخلق البيئة المساندة والمؤيدة لها، بهدف تحقيق أهدافها على صعيد السياسة الخارجية. وهو قول ردده بعض مستشاري القيادة الإيرانية، والدلائل على ذلك كثيرة أهمها: 1- التقرير الذي صدر مؤخراً عن مركز القدس للشؤون العامة، والذي أشار إلى أن إيران تخطط لإحداث تغييرات جذرية في جوار العراق عبر إطلاق "حملة شيعية" هدفها إطاحة أنظمة سنية مناوئة في الشرق الأوسط. 2- المخطط الإيراني الذي أشارت إليه العديد من الصحف العربية، والذي يهدف إلى استقطاب وتحريك الشيعة في دول الخليج، من خلال تحريك الخلايا النائمة هناك بهدف شنّ حرب واسعة لزعزعة استقرار هذه الدول. 3- التمدد الإيراني الواضح في المنطقة العربية، في العراق وفي لبنان وفي سوريا، ويثبت ذلك ما قاله وزير الدفاع العراقي السابق حازم الشعلان، من أن إيران لديها 100 ألف عميل في العراق. 4- التمرد الذي حدث في اليمن بقيادة بدرالدين الحوثي، والذي أشارت إليه العديد من المصادر على أنه عبارة عن عملية تحريك إيرانية للمذهب الشيعي بهدف زعزعة نظام الحكم في اليمن. 5- الرفض المستمر لكل الحلول السلمية التي تقدمها دولة الإمارات لاستعادة الجزر من الاحتلال الإيراني. 6- الرفض المستمر لكل الحلول السلمية التي تقدم من المجتمع الدولي، بهدف معالجة إشكالية الملف النووي الإيراني الذي يمثل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة بأكملها. 7- المناورات العسكرية الاستفزازية المستمرة وزيادة الإنفاق العسكري واستمرار التوغل في المياه الإقليمية للدول الخليجية. إيران تريد تحويل المنطقة إلى مستعمرة، وهذا أمر لن تقبل به دول الخليج العربي، وتخطئ إيران في حساباتها إذا ظنت أن دول الخليج ستضعف أمام تهديداتها، فإيران بمثل هذا التوجه وهذه السياسة تريد أن تدفع المنطقة إلى حرب جديدة، وخطورة هذه الحرب أن عواقبها لن تكون قابلة للتطويق، فهل يدرك عقلاء إيران هذه الحقيقة؟