يحصل أي نظام يعتمد الاقتراع بواسطة صناديق الانتخاب لتشكيل الحكومات والبرلمانات، على اسم نظام ديمقراطي، لذلك فإنّ السودان في مراحل مختلفة يبدو كمن "تمتع" بنظام ديمقراطي قبل أن ينقلب العسكر على النظام، وبالتالي يتم الحديث عن وجود ديمقراطية أولى وثانية وثالثة في السودان خلال فترات مختلفة بين عامي 1953 و1989. وفي لبنان هناك دائماً ادعاءات بأنّ هناك نظاما ديمقراطيا، كذلك هناك ادّعاءات أنّ في العراق ديمقراطية ناشئة... والمشترك بين هذه "الديمقراطيات" أنّ الأحزاب السياسية التي تشارك في الانتخابات تعبّر في غالبيتها عن تشكيلات طائفية، بدءاً من المهدية والختمية في السودان، وصولاً إلى التركيبة الفسيفسائية في لبنان والعراق. وهناك من يحاول تطوير تركيبة حزبية طائفية شبيهة في البحرين، وبدرجة أقل في الكويت. والمتأمل في العملية السياسية في هذه البلدان يجد أنّ قواعد الديمقراطية "التقليدية" بمفهومها المبسط (حكم الأغلبية وحقوق الأقلية)، لا ينطبق في حالة البنى السياسية الطائفية، وأنّ هناك قواعد جديدة لا بد من فهمها والاعتراف بها، وأهم هذه القواعد هي: 1- إلغاء فكرة المعارضة: إّذ لا تقوم الانتخابات على أساس اختيار أغلبية تحكم، وأقلية تقوم بالمعارضة، بل على أساس وضع مقياس التقاسم والمحاصصة. فمصطلح "الأكثرية" و"المعارضة" في لبنان مثلاً مصطلح مضلل، فأي طائفة لن ترضى بموقع المعارضة طائعة، وهي تريد تمثيلها في الحكم تبعاً للوزن الطائفي والديمغرافي الذي تدّعيه، والذي تعتبر الانتخابات مجرد واحد من مؤشراته. وسيكون من باب الصراحة مع الذات التوقف عن الادعاء بأنّ هناك شخصا أو حزبا سيشكل الحكومة، والأصح أنّ شخصا من طائفة ما سيشكل فريق طائفته في الحكومة التي يترأسها بشركاء من طوائف أخرى، وليس مع وزراء أدنى منه. والأفضل هنا، ما دامت القوى المختلفة موافقة على الأساس الطائفي، أن يتم احتساب عدد مقاعد كل طائفة في البرلمان وتوزيع المقاعد على هذا الأساس، وإلغاء فكرة وجود معارضة، فللجميع نصيب في الحكم. 2- عدم انتظار الانتخابات: في الديمقراطية الطائفية هناك رفض لقاعدة انتظار الانتخابات، ففي النظم الديمقراطية ينتظر الحزب الخاسر الانتخابات التالية، ويعمل حتى ذلك الوقت على زيادة أنصاره بطرح أفكار وبرامج تستقطب التأييد، لكن في الديمقراطيات الطائفية، ترى كل طائفة أنّها تمثل عدداً معيناً من السكان لهم حصة طبيعية في الوظائف والمكاسب، وليس مجرد تمثيل برنامج أو أيديولوجية معينة، كما في الديمقراطية "التقليدية"، لذا عندما لا تنجح المساومات يتم تعطيل البرلمان أو تقليص دوره والتظاهر في الشارع، رغم أنّ اللجوء للشارع هو نقيض لفكرة الديمقراطية التي أوجدت البرلمان بدلاً عن الساحات والشوارع. 3- الديموغرافيا والجغرافيا: في الديمقراطية الطائفية تأتي فرص الفوز بالانتخابات عبر الديموغرافيا، أي بزيادة "التوالد" بين أفراد الطائفة، لأنّ زيادة أفراد الطائفة هي زيادة لناخبيها، والبدائل الأخرى هيّ تهجير وتقليص عدد الطائفة المقابلة والقيام بتطهير طائفي، أو تجنيس أشخاص يتبعون طائفة بعينها، وأخيراً السعي لتغيير تقسيم الدوائر الانتخابية بما يؤدي لفوز طوائف ما بأصوات أعلى في مناطق معينة. 4- الحق المقدس والدين: الطائفية هي نتيجة وسبب لتسييس الدين، فهنا يصبح كل حزب طائفي ينطلق من مرجعية رجل الدين والزعيم الطائفي، والناخب ليس مواطناً له حرية الاختيار على أساس برامج سياسية وخيارات شخصية، بل هو رعية طائفة، وعليه أن يتبع المرجعية الدينية التي تحدد ما يجب وما لا يجب بفتوى دينية، يصعب عليه مخالفتها لارتباطها بفكرة العقوبة الإلهية والنبذ الاجتماعي والعائلي. 5- المرجعية الخارجية: نتيجة لإعلاء شأن الطائفة والهوية المذهبية، على المواطنة والحقوق الفردية، يصبح الوطن ذاته في مرتبة ثانية أو ثالثة، وتصبح المرجعية الطائفية التي قد تكون موجودة خارج البلاد، هي المرجع. أو على الأقل تصبح مصالح التنظيمات السياسية والمذهبية "الأم" أو "الشقيقة"، الموجودة في بلاد أخرى، جزءاً رئيسياً من محددات المواقف السياسية للأحزاب المختلفة.