مع تشكيل اللجنة الوطنية للتركيبة السكانية في دولة الإمارات، برئاسة الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية، نستعيد تلك النداءات التي أطلقناها منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وذلك عبر الدراسة الأكاديمية الأولى حول هذا الموضوع، تلك الدراسة التي قدمناها في جامعة القاهرة لنيل درجة الماجستير، والتي نالت تقدير امتياز وكانت بعنوان "الهجرة الخارجية والتنمية، دراسة تطبيقية لآثار الهجرة الوافدة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً"، وذلك في عام 1983. نستعيد ذلك الآن مع تشكيل اللجنة العتيدة والإعلان عن مهماتها، بعد ما يقارب ربع قرن من المطالبات والمحاولات للحد من مخاطر الخلل الحاصل في التركيبة السكانية، والآثار السلبية المدمرة لهذا الخلل على المجتمع الإماراتي خصوصاً والخليجي عموماً. وخلال الفترة المذكورة أثيرت قضايا مثلت محاور أساسية ينبغي معالجتها والبحث عن حلول ناجعة لها، كي لا تزداد الأمور سوءاً، وهانحن اليوم نشهد كيف تفاقمت المشكلة لتنذر بمزيد من المخاطر، الأمر الذي يتطلب وقفة جادة أمام ملفات لا تحتمل التأجيل والمماطلة. العناوين العريضة التي ينبغي أن تستوقفنا، تتعلق أولاً بتركيبة اللجنة وتكوينها وطبيعة المساهمين فيها، والأدوار المناطة بكل منهم. خصوصاً أن محاولات كثيرة لمعالجة خلل التركيبة السكانية قد سبقت تشكيل اللجنة، ولم نجد المعالجة الحقيقية القادرة على وضع حد لهذا الخلل، الأمر الذي يعني وجود خلل في طرق المعالجة من البداية. واليوم لا بد من وقفة مطولة ومعمقة للبحث في كل ما تم فعله سابقاً، وما الذي لم تستطع المحاولات السابقة فعله، حتى نتوصل إلى الخلل في المعالجة، وكيف نستطيع تجاوزه وصولا إلى الحلول المطلوبة. ابتداءً نتوقف عند تركيبة اللجنة، ونلاحظ أنه لا بد أن تضم خبراء في كل المجالات المتعلقة بالقضية، وهي قضية تتأثر بمجموعة من العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار. فالعامل الاقتصادي وما يرتبط به من حاجة إلى العمالة الوافدة، هو السبب الأساسي في هذه المشكلة، إلا أننا لا نستطيع إغفال عوامل أخرى فعالة في هذا المجال، حيث تتداخل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نحو شديد التفاعل لخلق المشكلة الكبرى، مشكلة التركيبة السكانية والخلل القائم فيها. العامل الاقتصادي مهم جدا بالتأكيد، وهو يلعب دورا كبيراً في ظل السعي الحثيث إلى التنمية، لكن من قال إن هذه التنمية لا يمكن أن تتم إلا في ظروف اقتصادية تخلق المشاكل الاجتماعية والسياسية والثقافية؟ ومن قال إنه لكي نحل مشكلة التنمية يجب أن نخلق مشاكل على صعد الحياة الأخرى؟ ثم كيف يمكن أن نطبق مفهوما للتنمية الشاملة التي تأخذ الإنسان بوصفه عنصراً أساسياً، وبوصفه هدفاً وليس مجرد وسيلة؟ لكي تنجح اللجنة في عملها، علينا دعمها بالكفاءات المختصة في مجال علم الاجتماع، والخبراء القادرين على فهم المجتمع بمكوناته كلها، خصوصاً في مجال حاجات المجتمع ككل، وحاجات الإنسان الفرد أيضاً، حيث أن ما يحدث من تحولات اقتصادية واسعة وعميقة تترك آثارها على البنية الاجتماعية ومكوناتها، سواء أكانت من المواطنين أم من الوافدين، وبما أن المواطنين يمثلون الأقلية في المجتمع، فهم الأشد تأثراً بالتحولات. وإلى جانب ذلك، لابد أن نلفت النظر إلى الجانب الثقافي، فهو الجانب الأكثر تأثراً وتأثيراً، فثقافة المجتمع هي الضحية الأولى لكل ما يمكن أن يحدث من خلل في تركيبة السكان، من جهة، لكن الثقافة يمكن أن تكون القلعة الحصينة التي تتكسر عليها كل المشكلات التي تنجم عن التركيبة المختلة. وليس في الأمر لغزٌ، فكلما سارت الثقافة العربية مع التحولات كان في الإمكان ضبط هذه التحولات ضمن الحاجات التي تحكم توجهات الاقتصاد ومساراته، أما حين تتم عمليات التغيير بعيداً عن "إشراف" العامل الثقافي، فسوف تنتج تشوهات على المستوى الاجتماعي الفردي والجماعي. وهو ما ينبغي تجنبه قبل حدوثه، لكن ما دام قد حدث فلا بد من معالجة جذرية له.