حرص الشيخ "سعد شرف" أثناء الدرس الذي كان يلقيه حول الإسلام والمجتمع بجامعة الروضة في مدينة نابلس على الاستشهاد بآيات قرآنية للتعبير عن معارضته لسيطرة "حماس" على قطاع غزة. فعندما توفي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم - يقول الشيخ "شرف" الذي ينتمي إلى حركة "فتح" المنافسة- أجلت عمليه الدفن حتى يتم التوافق على خليفة يتولى أمور المسلمين بعده تجنباً لاندلاع صراع حول السلطة، وهو ما يدل، حسب قول "شرف"، أن "الصراع على السلطة غير مقبول في الإسلام". وفي الوقت الذي تحاول فيه "فتح" تحجيم نفوذ "حماس" في الضفة الغربية يسعى الفلسطينيون من أمثال الشيخ "شرف" إلى تقديم طرح إسلامي جديد ينافس الخطاب الديني الذي يتبناه حكام غزة الجدد. وفي حين يدعو بعض المصلحين إلى تبني نهج ليبرالي في الإسلام السياسي يدافع عن عملية التسوية، ينتقد بعضهم الآخر، الأكثر تمسكاً بالنصوص الدينية، حركة "حماس" على أساس خلطها الدين بالسياسة. لكن الجميع متفق على أن أي تحد لحركة "حماس" لا بد وأن يعتمد على صيغة روحية جديدة. والواقع أن هيمنة الإسلام السياسي على الحياة العامة في فلسطين ليست سوى جزء من تيار عام يجتاح الدول العربية أصبحت فيه الأحزاب الدينية قوى المعارضة الرئيسية لأنظمة الحكم القائمة التي تتهم بأنها فاسدة وغير ديمقراطية. وفي هذا الصدد يقول "حنا سنيورة"، منسق المركز الفلسطيني الإسرائيلي للأبحاث والمعلومات في القدس "قبل ثلاثين، أو أربعين عاماً كان من الشائع أن يتبنى المرء فكراً يسارياً واشتراكياً، واليوم بات من الشائع في العالم العربي أن يكون المرء إسلامياً". وقد تزامن صعود حركة "حماس" مع تنامي الشعور بالخيبة لدى الفلسطينيين من الأيديولوجيات العلمانية التي هيمنت على الحركة الوطنية الفلسطينية منذ خمسينيات القرن الماضي. ولأكثر من عقدين نجحت "حماس"، التي كانت تعتبر في بدايتها فرعاً محلياً لحركة "الإخوان المسلمين" المصرية، في ترسيخ نفسها داخل النسيج الفلسطيني واكتساب شرعيتها النضالية عبر الهجمات التي نفذتها ضد إسرائيل، فضلاً عن شبكة واسعة من التنظيمات الخيرية التي ملأت بها الفراغ الاجتماعي والديني الناتج عن فساد المؤسسة العلمانية. ويسعى "شرف" في محاولة للتصدي لخطاب "حماس" إلى إقناع "فتح" بإنشاء "مجلس لعلماء الدين" قادر على الوقوف في وجه الخطاب المتشدد. وفي هذا السياق ينتقد الشيخ "شرف" دفاع "حماس" عن استهداف المدنيين الإسرائيليين بأعمال عنف، فضلاً عن سيطرتها الأخيرة على قطاع غزة. وبرغم أن الشيخ "شرف" يؤمن بقيام دولة إسلامية تخضع لحكم الشريعة، فإنه مدرك للصعوبات التي تواجه هذا المشروع، لا سيما في ظل التجارب الحديثة في الحكم التي أثبتت فشلها. ويوضح الشيخ ذلك بقوله "انظر إلى السودان والصومال وطالبان"، معتبراً أنه على الفلسطينيين "ألا ينعزلوا عن الوضع الدولي، لأن الحكم الإسلامي سيأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يصبح قابلاً للتطبيق". ويعيب الشيخ على سياسيي "فتح" أنهم تجاهلوا دعوته للاستعانة بعلماء الدين وتوظيف خطابهم المعتدل لمواجهة "حماس". ومن جانبه يرى "محمد دجاني"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الذي يعترف بالحضور القوي للدين في المجتمع الفلسطيني، بأن الطريقة الوحيدة لتحدي خطاب "حماس" هو تأسيس حزب إسلامي معتدل يدافع عن اللاعنف والتسامح. وقد أطلق "محمد دجاني" على حزبه اسم "الوسطية" في إشارة إلى توجهاته المعتدلة، مشيراً إلى أن هدف الحزب هو "تغيير ثقافة الناس وإقناع الشباب بأن التفجيرات الانتحارية ليست من الإسلام في شيء". غير أن معارضة "حماس" داخل الطيف الإسلامي لا تقتصر على أصحاب الفكر الليبرالي، بل تمتد أيضاً إلى بعض الحركات الأصولية مثل السلفيين الذي يعتبرون انخراط "حماس" في العمل السياسي أمرا مخالفا للتقاليد الإسلامية في إقامة الأحزاب السياسية على أساس ديني. وفي هذا الإطار يقول الشيخ "معاد الصوالحي"، العضو في الجمعية السلفية الفلسطينية "يتعين أن يبقى الدين للعبادة، وليس لتحقيق أغراض سياسية". مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في الضفة الغربية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"