إن تدافع المستثمرين الأجانب على الخروج من "سوق أبوظبي للأوراق المالية"، عبر مبيعات مكثفة على أسهم قيادية، أول من أمس، سعياً للاحتماء بأصول أكثر أمناً، تسبّب في أكبر تراجع لهذه السوق في يوم واحد منذ مطلع العام، بعد أن تراجعت بنسبة 2.8% تقريباً. فقد شكّلت مبيعات المستثمرين الأجانب ضغوطاً قوية على أداء الأسهم المحلية خلال أول يومين من تعاملات هذا الأسبوع، ما أدى إلى تراجع كبير في الأسعار، بينما بلغ إجمالي خسائر السوق المحلية في جلستي الأحد والاثنين ما يقرب من 20 مليار درهم. من خلال هذه الأحداث وغيرها طوال الفترة الماضية، ومنذ أن تفتّحت الأبواب على مصراعيها أمام الاستثمارات الأجنبية ومن دون قيود، يتأكّد باستمرار أن الاستثمارات الأجنبية التي دخلت السوق لم تسهم لا في استقرار هذه السوق ولا في توليد طاقة إنتاجية جديدة، بل كان هدفها تحقيق ربح سريع من خلال المضاربة، حيث كانت فترة احتفاظ المستثمرين الأجانب بالأسهم قصيرة جداً ومحدودة، وبالتالي كانت أموالهم ساخنة تدخل إلى السوق وتخرج منها بسرعة، ما أسهم في زيادة حدّة الاضطرابات التي تعانيها السوق منذ أواخر عام 2005، حيث يبدو ذلك أكثر وضوحاً في تعاملات السوق خلال جلستي الأحد والاثنين. إن تشجيع الاستثمارات الأجنبية بشتى السبل للدخول إلى السوق المحلية هو أمر يستحق الوقفة والدراسة المتأنية لبحث دواعيه وأسبابه وتوقيته وأهدافه، إذ إن الجدل المحتدم حول جدوى الاستثمارات الأجنبية في هذه السوق لم يحسم بعد بشكل قاطع، بل إن أي دراسة شاملة وموضوعية حول تجربة سوق الأسهم المحلية مع الاستثمارات الأجنبية يمكن أن تكشف بوضوح مدى دور هذه الاستثمارات، فردية كانت أم مؤسسية، في إذكاء حدّة المضاربة وتعميق الأزمة التي ظلّت السوق ترزح تحت وطأتها لأكثر من عام ونصف العام. وفيما ظلّ بعضهم يطالب بالتركيز على الاستثمار المؤسسي الأجنبي في السوق المحلية باعتبار أنه استثمار طويل الأجل، يحقّق لهذه السوق بعضاً من توازنها المفقود، فإن تعاملات يومي الأحد والاثنين تثبت أن الاستثمار الأجنبي في مجمله، وأياً كان طابعه القانوني، يسعى إلى الدخول إلى السوق المحلية للاستفادة من الإمكانات والوفورات والمزايا والفرص المتاحة، وهو لا يتورّع عن الانسحاب المفاجئ من هذه السوق متى ما شعر بأي نوع من الخطر الداخلي أو الخارجي، أو متى ما حقق أهدافه الوقتية ولاسيّما إذا وجد فرصاً أكثر إغراء في أسواق خارجية، الأمر الذي يشكّل مخاطر حقيقية ومصدراً للأزمات في السوق المحلية. كل ذلك يستدعي ضرورة الانطلاق من خطط ودراسات واستراتيجيات واضحة بشأن الاستثمار الأجنبي، ليس في سوق الأسهم وحدها، بل وفي جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى، إذ إن الانفتاح غير المدروس أمام الاستثمارات الأجنبية هو أمر في غاية الخطورة، ومن الممكن أن تتحوّل التدفّقات الرأسمالية والاستثمارية الأجنبية إلى وسائل تدمير وتحطيم للمرتكزات الاقتصادية للدولة، خاصة إذا كانت درجة الانفتاح عالية ولا تضع ضوابط وقيودا واضحة ودقيقة تحكم وتؤطر دور هذه الاستثمارات في الاقتصاد القومي بشكل عام. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.