كريستوفر جريفين .......................... يمكن لتصويتين مهمين في قارتين مختلفتين أن يأتيا بموجة تغيير في اليابان؛ إذ من المنتظر أن تحسم الغرفة العليا للبرلمان الياباني مصير رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي"، علماً بأن الخسارة التي مني بها حزبه في الانتخابات التي أجريت يوم أمس الأحد، قد تطيح بحكومته. في حين من المرتقب أن يصوت مجلس النواب الأميركي في واشنطن الأسبوع المقبل على القرار 121، الذي يدعو الحكومة اليابانية إلى الاعتراف بالمسؤولية الكاملة عن استغلال نساء المستعمرات اليابانية جنسياً خلال الحرب العالمية الثانية والاعتذار. والواقع أن نتيجة تصويت (يوم أمس الأحد) لم تكن موضع شك كبير؛ فربما يستعد "آبي" وحزبه -"الحزب الديمقراطي الليبرالي"- لتلقي ضربة قوية بالنظر إلى تدني شعبيته في وقت يرى فيه عدد متزايد من اليابانيين أنه زعيم لا يبدي اهتماما كبيراً بإدارة حكومته، ويصب جل تركيزه –بدلاً من ذلك- على تطلعات اليابان إلى أن تصبح "بلداً جميلاً". والحال أن خطابات "آبي" المفخمة لا تعمل سوى على إرباك الجمهور؛ كما أن سلسلة الفضائح التي لحقت بحكومته، وكان آخر حلقاتها انتحار وزير الزراعة، أضرت بشعبيته كثيراً. وفي ضوء تقارير وسائل الإعلام، التي توقعت خسارة لـ"الحزب الديمقراطي الليبرالي" قد تدفع "آبي" إلى الاستقالة، أمضى رئيس الوزراء الياباني اليوم الأخير من الحملة يجوب طوكيو. وقال: "سأعمل على تحويل "الحزب الديمقراطي الليبرالي" إلى حزب جديد، بعد الإصغاء جيداً إلى أصواتكم والعدول عن الأمور التي عليّ أن أعدل عنها. وأنا عاقد العزم على التحقق من أن سياساتنا تعكس أصواتكم". لكن الهزيمة في تصويت الأحد لن تؤدي إلى تغير كبير على اعتبار أن عملية التصويت هذه لن تؤثر على التوازن في "الغرفة السفلى" التي تعد الأكثر أهمية. ذلك أن انتخابات الغرفة العليا تمنح الناخبين طريقة مناسبة لمعاقبة الحزب الحاكم من دون الذهاب إلى حد الإطاحة به. وعليه، فإن الحزب قد يحافظ على سيطرته حتى في حال غيِّر زعامته. ولعل السؤال الكبير بعد خسارة الأحد هو ما إن كان "آبي" سيرغَم على الاستقالة كرئيس للوزراء. والواقع أنها نتيجة ممكنة، وإن كانت غير مرجحة، ويمكنها أن تعطل الجهود المبذولة مؤخراً على صعيد التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة بخصوص مواضيع من قبيل الحرب في العراق وأفغانستان. ويذكر هنا أن "آبي" أولى اهتماماً كبيراً لهذه المواضيع ضمن أجندته كرئيس للوزراء؛ وعلاوة على ذلك، فإنه لا يوجد خلف محتمل له ملتزم بعلاقة قوية ومتينة مع واشنطن قدر التزام "آبي". بيد أن تصويتاً ضد "الحزب الديمقراطي الليبرالي" ليس تصويتا ضد التحالف الياباني- الأميركي. فإذا كان الكثيرون داخل زعامة الحزب المعارض متشككين ربما تجاه طموحات "آبي"، فإنهم اختاروا مع ذلك التركيز في حملتهم على مواضيع اجتماعية من قبيل إصلاح نظام المعاشات. وبالتالي، فإن أي هزيمة لـ"آبي" لا تعني بالضرورة رفض أجندته القائمة على إصلاح الدستور وتعزيز دفاع اليابان. ثم إنه إذا كان "آبي" قد جعل من تمتين تحالف بلاده مع الولايات المتحدة إحدى أولوياته، فإن كلا الحزبين حريصان على نسج علاقات سليمة معها. بينما انهمكت طوكيو في الانتخابات البرلمانية، فإنه من المرتقب أن يتابع الزعماء اليابانيون باهتمام كبير التصويت المقبل على قرار مجلس النواب الأميركي رقم 121، الذي يدعو اليابان إلى الاعتذار عن نظام العبودية الجنسية زمن الحرب. والحقيقة أنه قرار يستحق الإشادة؛ ذلك أن ما قامت به اليابان زمن الحرب كان فظيعا. كما أن عجز اليابان عن التعامل مع مثل هذه التركات التاريخية يمثل حجر عثرة أمام التحالف. غير أن القرار، وعلى غرار السياسة، ليس مثالياً، إذ يثير توقيت تمرير القرار قلقاً في طوكيو بخصوص مدى متانة العلاقات الثنائية على المدى الطويل. فالقرار، الذي اقترحه لأول مرة النائب "مايك هوندا" (الديمقراطي من كاليفورنيا)، كان موضوع جلسة الخامس عشر من فبراير، أي بعد يومين فقط على الاتفاق التي توصل إليه المفاوضون الدوليون بخصوص مشكلة كوريا الشمالية، والذي لم يُراع قلق اليابان بخصوص أربعة وعشرين من رعاياها الذين اختطفهم عملاء كوريون شماليون في السبعينيات والثمانينيات. ولذلك، فإن طوكيو، التي قالت إن الاتفاق يترك أرواح المواطنين اليابانيين المختطفين في خطر، لم تتحمل أن تلقى عليها محاضرات بخصوص سجلها في حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، حذَّر سفير اليابان في الولايات المتحدة أن من شأن تمرير القرار أن يترك "تأثيرات ضارة ودائمة" على العلاقة بين البلدين. إن قرار مجلس النواب يُظهر أن التاريخ يظل مهما بالنسبة للدبلوماسية؛ إذ يمثل تصحيح التاريخ خطوة ضرورية في حال أرادت اليابان لعب دور إيجابي في آسيا. فمن شبه الجزيرة الكورية إلى جنوب شرق آسيا، تواجه اليابان عقبات وعراقيل كثيرة بسبب تخلفها عن حل النزاعات التاريخية، الأمر الذي سمح لبلدان مثل الصين باستغلال التاريخ واستعماله كوسيلة لحشد المعارضة الإقليمية لطوكيو. الواقع أن لدى واشنطن وطوكيو مواضيع كثيرة ينبغي أن تتباحثا بشأنها؛ حيث تشكل مسائل من قبيل قرار مجلس النواب الأميركي وكوريا الشمالية موضوع خلاف على نحو متزايد بدلاً من أن تكون موضوع تنسيق وتشاور، هذا علما بأن هذه الخصومات تعيق التقدم بخصوص مواضيع مهمة مثل الدفاع الصاروخي والتعاون الاقتصادي الإقليمي. ولذلك، فإن الكونجرس يستطيع، في وقت ينظر فيه الجانبان إلى ما بعد العقبة الحالية، أن يأخذ العلاقة مع اليابان على محمل الجد عبر العمل على تمتين وتقوية العلاقة بين اثنتين من أهم ديمقراطيات العالم. زميل في معهد "أميركان إنتربرايز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة " لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"