شكل الانتصار المزدوج للعراق والسعودية في نهائيات كأس أمم آسيا، نقلة غير متوقعة طال انتظارها في زمن التراجع والانكسار العربي الذي أدمنّا مذاقه لعقود. أتى الانتصاران بطعم النشوة. خاصة أن السعودية والعراق هزما اثنين من عتاة الساحرة المستديرة في القارة الآسيوية، اليابان وكوريا الجنوبية اللتين نظمتا كأس العالم في عام 2004. وبعد أن عانت المنتخبات العربية الستة في الأسبوع الأول من البطولة، كانت النهاية أكثر من رائعة وأكبر من مفاجئة. وعلى أمل أن لا نغرق في فخ التخندق على الطريق إلى منصة التتويج ونيل كأس البطولة، لأن البطل في النهاية هو نحن العرب. قد تكون أبرز نتائج الفوزين العربيين، هو مساهمتهما في كسر حاجز الخوف وعقدة النقص التي طالما عانينا منها كعرب واقتنعنا بأننا لاعبون مهمشون على المستوى الدولي ولا تلائمنا أدوار البطولة والصدارة. وأقنعنا أنفسنا بتواضع قدراتنا وإمكانياتنا في شتى المجالات. ما يكرس ويروج لأفكار كهذه، هو ما يرد في تقارير التنمية الإنسانية العربية خلال السنوات الماضية، والتي أكدت على تواضع القدرات العربية. ثم يأتي كتابنا وباحثونا العرب ليغرسوا السكين في الجسد العربي ويؤكدوا في جلد دائم للذات أننا أمة ضعيفة نعيش على الهامش ونقتات على أمجادنا الغابرة. وأن دولة كاليونان بملايينها العشرة تترجم وتنشر كتباً أكثر مما ينتجه ثلاثمائة مليون عربي. أو أن دخل الثلاثمائة مليون عربي هو أقل من دخل 60 مليوناً هم سكان فرنسا، وأن العرب هم الأكثر تخلفاً وفقراً واضطهاداً لحقوق الإنسان وغياباً للديمقراطية..! تكرار هذه الحقائق لا بد أن يكرس في العقل العربي الباطني اقتناعاً بالعجز وقبولاً بالتهميش. إدمان العرب للهزائم والانتكاسات، بات صبغة عربية، خاصة أننا عشنا قبل أسابيع الذكرى الأربعين للنكسة والذكرى التاسعة والخمسين للنكبة، حتى تفننا كعرب في ابتداع مسميات للتفريق بين هزائمنا المتعددة. لهذا لم يكن غريباً أن يصطف العرب، سنة وشيعة، في مساندة "حزب الله" خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في الصيف الماضي، من دون أن نلتفت إلى "مغامرة" الحزب الذي أعطى إسرائيل "عذراً" في شن حربها الوحشية ضد لبنان. ذلك لأننا متعطشون لانتصار على إسرائيل ولإذلال غطرستها وجبروتها لما نراه من ظلم وعدوان واستهداف يومي للشعب الفلسطيني من دون أن تتمكن أنظمتنا حتى من إجبارها على فتح معبر رفح لإنقاذ آلاف الفلسطينيين العالقين على الحدود. لقد تقزم الحلم العربي إلى مجرد إقناع إسرائيل بقبول التفاوض، وغاب المشروع الكبير، وضاعت القضية. قد يسأل بعضهم: وما هي أهمية الانتصار الكروي العربي في كأس آسيا؟ وكيف يتم إسقاطه على الأوضاع السياسية؟ وكيف سيحل الانتصار الكروي مصائب العرب ويسهم في التصدي للمشروعين الأميركي والإيراني على أرضنا؟ وكيف سيخلص النصر الكروي العراقي بلاد الرافدين المعذبة وينتشلها من حمامات الدم ويوقف الحرب المذهبية فيها؟ حتى المحتفلين بذلك النصر انضموا لقوافل القتلى وسٌرقت منهم بهجة النصر. بعضهم يسأل بتهكم: كيف سيحل النصر الكروي الصراع العربي الإسرائيلي ويعيد فلسطين وينهي التبعية والعجز؟ وكيف سيوقف التناحر في لبنان ويوحد السودان وينهي التمزق الصومالي والاحتلال الأثيوبي هناك؟ صحيح أن انتصار السعودية والعراق على عمالقة القارة الآسيوية، اقتصادياً وكروياً، لن يأتي بحلول لتلك المصائب والكوارث المتداخلة والمعقدة، لكنه سيكسر عقدة الشعور بالدونية ويطلق العنان لخيالنا ليشطح بعيداً ويحلم. والواقع يبدأ عادة بحلم. الانتصارات الكروية العربية ستقوي الثقة بالنفس، وهذا يجب أن يوقف جلد الذات والتهكم ويكسر الفكر المتأصل بعدم القدرة على الإبداع والنصر. وهذا قد يشكل بداية نشر ثقافة الممكن بدلاً من ثقافة المستحيل المتجذرة. لننتشل أنفسنا من الإحباط الدائم، فربما يشكل ذلك لبنة في مدماك التغييرات القادمة التي طال انتظارها ونستحقها جميعاً.