نظرت الصحافة الأميركية، خلال فترة طويلة، إلى تنافس الطامحين إلى الرئاسة داخل الحزبين الرئيسيين، على أنه تنافس رتيب وممل، إلى أن جاءت الإثارة هذا الأسبوع على شكل تبادل كلامي قوي بين المتنافسيْن الرئيسيين على ترشيح "الحزب الديمقراطي": السيناتورة هيلاري كلينتون والسيناتور باراك أوباما. حدث ذلك وسط مناظرة تلفزيونية في الثالث والعشرين من يوليو الجاري، وقد اتخذت المناظرة شكلاً جديداً حيث لم تكن الأسئلة تطرح على المرشحين من قبل صحافيين، وإنما من قبل مواطنين سجلوها من قبل، ثم بعثوا بها على موقع "يوتيوب" الإلكتروني. والحق أن جل الأسئلة كانت وجيهة وقد صيغت بشكل ذكي. غير أن الإجابات، كما هو الحال في هذه المناظرات التي يشارك فيها ثمانية أشخاص، كانت في معظمها غير مفاجئة، ومن دون فرقعات إلى أن طرح أحد المواطنين السؤال التالي: "هل سترغب في الالتقاء في العام الأول من إدارتك، ومن دون شروط مسبقة... مع زعماء إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية، كلاً على حدة، من أجل ردم الهوة التي تفصلنا معها؟". كان باراك أوباما أول المجيبين، فقال من دون تردد: "سأفعل. أما السبب، فهو أن الفكرة القائلة بأن عدم التحدث مع البلدان هو عقاب لها –والتي شكلت المبدأ الدبلوماسي الرئيسي لهذه الإدارة- فكرة سخيفة". ثم ذهب ليشير إلى الرئيسين ريجان وكينيدي اللذين تحدثا مع الاتحاد السوفييتي رغم أنه كان عدونا الرئيسي إبان الحرب الباردة. هيلاري كلينتون كانت التالية؛ وكان موقفها مغايراً شيئاً ما إذ قالت: "حسناً، لن أعد بالالتقاء مع زعماء هذه البلدان خلال سنتي الأولى. لكنني سأعد ببذل جهود دبلوماسية حثيثة لاعتقادي أنه لا يجدر الوعد بإجراء لقاء على هذا المستوى قبل معرفة نوايا الأطراف الأخرى. ولذلك لا أرغب في إعطائهم فرصة لأغراض البروباغندا". في التالي، عمدت كلينتون التي رأت في موقف أوباما فرصة لإثبات وتعزيز ما تقوله عن نفسها من أنها الأقوى والأكثر تجربة، إلى مهاجمة منافسها ونعت آرائه بـ"غير المسؤولة والساذجة"، معتبرة أنه قدم جواباً "أعتقدُ أنه نادم عليه اليوم". ومن جانبه، لم يتراجع أوباما عن موقفه، بل استغل تصريحاته لتحديد الفرق بين تجربته وتجربة منافسته؛ حيث رد بالقول إن كلينتون "كانت ساذجة وغير مسؤولة" من خلال تصويتها على الترخيص للحرب في العراق، وأنه "استفاد من تجارب العيش في الخارج، وتوفره على أقارب في الخارج، والقدرة على رؤية العالم عبر أعين الناس الذين يعيشون خارج حدودنا". بعض القنوات التلفزيونية رأت فوزاً لكلينتون، على اعتبار أن أوباما ارتكب خطأ؛ وسمح لمنافسته أن تظهر بأنها "أكثر حزما وصرامة"، و"أكثر تجربة وحنكة". وبالمقابل، رد بعض أصحاب المواقع الإلكترونية الشخصية المؤيدين لأوباما بالقول إن "مؤسسة السياسة الخارجية ... تحاول فرض هذه القواعد على المرشحين، ووصف هذا الأمر أو ذاك بالخطأ". بعد أربعة أيام من الخطابات والتصريحات القوية، قد يكون من المناسب تقييم تصرفات المرشحين. والأكيد أنه في حال فوز هيلاري كلينتون، فإنها لن تتبع سياسة بوش-تشيني؛ بل ستتبنى مقاربة حذرة وبراجماتية، مثلما تشير إلى ذلك ميولها اليوم. ومن جهة أخرى، فإن أوباما ليس ساذجاً، ولا غير مسؤول؛ لكنه سيسعى على الأرجح، إلى إحداث تغييرات جوهرية بخصوص المقاربة التي تتبناها الولايات المتحدة تجاه العالم. ولكن، مثلما هو الحال في الخصومات السياسية التي تصمَّم تصميماً جيداً، ورغم بعض التضخيم والمبالغة، فإن كَلا الجانبين بدآ عملية تحديد معالم حملتيهما، وإيضاح أفكارهما، وتسجيل النقاط. وهكذا، قامت كلينتون بتأكيد مؤهلاتها باعتبارها منافسة ذكية وحازمة؛ فسجلت نقاطاً سياسية، ولاسيما في أوساط "المجمع الداخلي". أما أوباما، فقد سجل نقاطاً على صعيد المبدأ. فباستماتته ودفاعه عن موقفه، قدم نفسه للأميركيين باعتباره ليس أقل قوة من غريمته، مسجلاً بذلك نقاطاً سياسية أيضاً.