هناك الكثير من الممارسات والمظاهر الخاطئة والمخالفات الصريحة في القطاع الصحي الخاص بالدولة، وآخرها ما كشف عنه التحقيق الذي أجرته صحيفة "الاتحاد"، أول من أمس، حيث سردت نماذج واقعية من ضحايا التشخيص الطبي الخاطئ في مستشفيات القطاع الخاص، ومن ضمنها أن شاباً أصيب بالزكام فعالجه أحد المستشفيات بإبرة خاطئة أدت إلى الشلل التام، وآخر أكد له المستشفى إصابته بقرحة المعدة، ليكتشف في تايلاند أنه مصاب بسرطان القولون، وآخر أكد له الطبيب أنه يحتاج إلى عملية جراحية بالقلب يتطلّب إجراؤها مبلغاً كبيراً، ما اضطره إلى إعادة الفحص بمستشفى حكومي ليكتشف أنه سليم. إلا أن مخالفات المستشفيات الخاصة لا تقف عند هذا الحد، فهناك اتهامات بأن غالبية الكوادر الطبية في هذه المستشفيات "غير مؤهّلة" وبحاجة إلى "إعادة تأهيل"، وأن غالبية أطباء القطاع الطبي الخاص تحوّلوا إلى تجار، همّهم الوحيد هو جني الأرباح، من خلال الاتفاق مع المختبرات والمراكز المتخصّصة بالأشعة على تحويل المرضى إلى تلك المختبرات والمراكز، مقابل نسبة محدّدة من التكلفة، أو من خلال زيادة "مبيعات" الإجازات المرضية، كما أن شركات توزيع الأدوية تتنافس على تقديم "حوافز" لأطباء القطاع الخاص، وإغرائهم لإعطاء الأولوية لأدوية هذه الشركات من دون غيرها عند تحرير "الروشتة" العلاجية للمريض، وأن بعض المستشفيات الخاصة تتحايل على أنظمة العمل عبر استقدام أطباء وفنيين على وظائف إدارية وتسمح لهم بمزاولة مهنة الطب قبل حصولهم على ترخيص وزارة الصحة بهذا الخصوص، بل إن التأمين الصحي الذي تبنّته بعض إمارات الدولة بدأ ينزلق هو الآخر إلى فخ "التجارة" والاستغلال، من خلال تحويل "بطاقات التأمين الصحي" إلى قنوات لاستنزاف موارد التأمين. ويضاف إلى ذلك قائمة طويلة من الممارسات والمخالفات التي تشكّل في مجملها صورة ذهنية سلبية عن مستشفيات القطاع الخاص في الدولة وتعمّق أزمة الثقة وتغذّي الشكوك القائمة بالفعل لدى الغالبية تجاه القطاع الصحي بصفة عامة. موقف الجهات الحكومية المعنية لا يزال سلبياً تجاه مثل هذه المخالفات، التي تقابل دائماً بالنفي القاطع أو على الأقل محاولة تمويه الحقائق بشأنها أو تبريرها. وبدا ذلك واضحاً عندما عرضت "الاتحاد" نماذج من أخطاء التشخيص الطبي في مستشفيات القطاع الخاص على بعض المسؤولين في وزارة الصحة، الذين دافعوا عن هذه الأخطاء وحاولوا أن يجدوا لها كل المبرّرات الممكنة، من قبيل أن "الأخطاء التشخيصية توجد في كل دول العالم"، أو التعليل بـ "عدم توافر أرقام أو حقائق ثابتة أو دراسات واستبيانات" تؤكّد صحة هذه الأخطاء، في حين أن توافر مثل هذه المؤشرات هو مسؤولية الوزارة في المقام الأول. بصرف النظر عن مبرّرات الوزارة، وغياب أي معلومات دقيقة توضح أبعاد الصورة وتكشف الحقائق بشفافية، فإن واقع الحال وما يلمسه الجمهور ليس بأي حال في مصلحة الوزارة، فكل من يزور مستشفيات القطاع الخاص يشهد بنفسه قصوراً واضحاً في كفاءة الأطباء وجودة الخدمات الصحية، كما أن تزايد عدد المواطنين الذين يطلبون العلاج في الخارج دليل آخر ليس في مصلحة الوزارة، حيث تشير إحصاءات الوزارة نفسها إلى أن 62 ألفاً من المواطنين ذهبوا إلى تايلاند للعلاج خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الماضي. إن ممارسة الطب في الدولة تنطوي على مخالفات عديدة يتركّز معظمها في القطاع الخاص، وأن ربط الممارسة بالحصول على تصريح أو ترخيص من وزارة الصحة لم يعد كافياً، بل لا بدّ من إرساء معايير وشروط ومتطلبات فنية وبشرية وأخلاقية صارمة. فالإمارات التي باتت محطّ أنظار العالم بحكم إنجازاتها في المجالات كافة، تتطلّب تضافر جهود الجهات المعنية لإحداث نقلة نوعية تقضي على الظواهر السلبية التي تشوب النظام الصحي. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية