غيّرت الإدارة الأميركية ودول التحالف الغربي، توجهاتها السابقة في التعامل مع الأحزاب والحركات السياسية المدنية ومؤسسات المجتمع المدني في المدن، إلى استراتيجية وتوجه جديد لدعم القبائل في كل من العراق وباكستان وأفغانستان. ففي العراق تدعم الإدارة الأميركية من خلال قواتها هناك، القبائل العربية في حربها ضد تنظيم "القاعدة"، حيث استغلت الإدارة الأميركية الخلافات الواضحة بين مشايخ القبائل العربية وتنظيم "القاعدة" الإرهابي لمصلحتها.. فالطرفان -الولايات المتحدة والقبائل- من مصلحتهما وضع حد لتزايد نفوذ الإرهابيين في المناطق القبلية، كما أن القبائل بدأت تعي أن المتطرفين الإسلاميين لا يخدمون مصالح الشعب العراقي بل كل همهم محاربة أميركا في أراضيهم، فالقبائل بدأت تعي أن من مصلحتها التعاون مع الولايات المتحدة لحماية مناطقها والاستفادة من المعونات الأميركية السخية -الحكومة العراقية غير راضية على تسليح القبائل العربية لأن تسلح القبائل يعني استقلالها عن الحكومة في بغداد، وعدم سيطرة الحكومة على القبائل في المدى البعيد. في باكستان تحاول الحكومة الأميركية دعم الرئيس برويز مشرف في حربه ضد التطرف والإرهاب الإسلامي المتصاعد بعد تحريره المسجد الأحمر وبدء المواجهة المفتوحة بين الطرفين، حيث حدثت عدة عمليات انتحارية ضد الحكومة الباكستانية. لقد ازداد الأمر سوءاً بعد فرار الآلاف من السكان من شمال وزيرستان، المنطقة القبلية الباكستانية المحاذية للحدود مع أفغانستان، بعد تخلي بعض القبائل الموالية لـ"طالبان" عن اتفاق سلام أبرموه مع الحكومة يقضي بعدم إيوائهم مقاتلين أجانب، في مقابل سحب الجيش نقاط تفتيشه من المنطقة. وفي أفغانستان ازداد نشاط حركة "طالبان" الأفغانية وبدأت تشكل خطراً على قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) المتمركزة في أفغانستان. الإدارة الأميركية في توجهاتها الجديدة، عرضت مساعدات عاجلة للقبائل الباكستانية، تصل قيمتها الى 750 مليون دولار، لتحسين الوضع الإنساني في هذه المناطق وتوصيل الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، لضمان استقرارها وعدم انجرافها إلى تنظيم "القاعدة" الذي ينشط أفراده في المناطق القبلية المعزولة. دعم القبائل، سواء في العراق أو باكستان وأفغانستان، وجد قبولاً لدى الأهالي في هذه المناطق، ففي العراق وقعت 75 عشيرة عربية في ديالي وثيقة سلام تنص على تسوية كل الخلافات القبلية ومناهضة وجود تنظيم "القاعدة" والميليشيات المسلحة، وتولي العشائر دوراً أكبر في استتباب الأمن في المدينة. في أفغانستان أفرجت "طالبان" عن مراسل مجلة "شترين" الألمانية، "كريستوفر رويتر" بعد أن تدخل زعماء القبائل للإفراج عنه. ماذا تعني هذه التوجهات بالنسبة لنا في الخليج والوطن العربي؟ بالنسبة للأنظمة العربية المعتدلة التي تحالفت مع الولايات المتحدة، أثبتت سياساتها أنها صحيحة، لأن التحالف مع دولة عظمى قوية في عالم اليوم أمر حتمي، حيث أصبحت الآلة العسكرية لها الكلمة العليا. ماذا يعني ذلك بالنسبة للشعوب ومؤسساتها وأحزابها الوطنية والليبرالية وغيرها؟ إن تخلي الولايات المتحدة عن الأحزاب العاملة في العراق، يدل على أن الولايات المتحدة بدأت تعي أن الأحزاب العربية لا تزال محكومة بعقلية الرأي الواحد، واستمرت أيديولوجيات وعقائد هذه الأحزاب من دون مراجعة، رغم تغير الواقع محلياً وإقليمياً ودولياً... أما فيما يخص منظمات المجتمع العربية، فإن معظمها خاضع لأحزاب شمولية استبدادية أو خاضعة لحكوماتها. السياسة الأميركية الجديدة تستحق منا المراجعة والتقييم، فأهل المناطق القبلية يستحقون المساعدات وتطوير مناطقهم بعد أن أهملتهم الحكومات الوطنية.