في حوار سريع لي مع بعض المهتمين بما يجري في العالم العربي والإسلامي من حراك سياسي، تطرقنا إلى نجاح التيار الإسلامي في تركيا في الانتخابات، التي جرت الأسبوع الماضي، وكانت نتائجها فوز حزب "العدالة والتنمية" بنسبة 47% متحدياً بذلك جل التوقعات التي راهنت على فشله، وكان سؤال تلك الجلسة لماذا نجح الاسلاميون في تركيا وفشلوا خارجها في الغالب؟ وكان ردي في كلمتين هما: التنمية والانفتاح. لقد تعلمت الحركة الاسلامية في تركيا الدرس بسرعة ونجحت حيث فشل غيرها، فمن يستعرض تاريخ رجب طيب أردوجان والبالغ من العمر 53 سنة يجد صدق ما أقول، فهو من عائلة متوسطة الحال، كان في بداية حياته بائعاً لمشروب الليمون وحلوى السمسم في طرقات اسطنبول، درس في مدرسة إسلامية ليحصل بعد ذلك على درجة الإدارة من جامعة "مرمرة"، وهو في الوقت نفسه لاعب كرة محترف، وربما كان هذا سر النشاط الذي يتميز به. يحكي لنا التاريخ أنه تأثر كثيراً بنجم الدين أربكان عندما كان في الجامعة، تقلد أردوجان منصباً مرموقاً في حزب الرفاه الإسلامي، والذي تم حظره عام 1998، وفي 1994 أصبح بطلنا عمدة اسطنبول حيث قدم للشعب التركي نموذجاً عملياً للأمانة والنزاهة، وأهم من ذلك النجاح الاقتصادي والتنمية التي شهدتها تلك البلدية في حكمه لها، بسبب تمسكه بتعاليم دينه واعلانه ذلك في أكثر من مكان حكم عليه بالسجن لمدة عشرة أشهر تم اطلاقه من سجنه بعد أربعة أشهر، فماذا تعلم أردوجان والحركة الإسلامية في تركيا من هذا التاريخ السريع في عمر هذا الشاب؟ الدرس الأول كان في الابتعاد عن المواجهة الفكرية مع الناس لقد سجن أردوجان لأنه قرأ قصيدة من أبياتها أن "المساجد ثكنات ومأذن المساجد سكاكيننا "كما هو حال الحركات الاسلامية في جل الدول العربية والإسلامية، وما أحداث مسجد باكستان الأخيرة منا ببعيد، وتجربة "طالبان" المأساوية عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، المواجهة الفكرية والصراع العقدي لا يقودان إلى للمزيد من التشنج من قبل الأطراف الأخرى ذلك الصراع لا يحل في نهايته إلا بالحروب المدمرة. لقد انفتح هذا الرجل الذي يفتخر بإسلامه ويعتز بزوجته المحجبة التي تقف إلى جانبه في جل المشاهد السياسية، وكان من انفتاحه تواصله مع الغرب بشقيه الأوروبي والأميركي، فقد سعى بكل جهد لضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وجعل ذلك هدفاً استراتيجياً لحزبه وحكومته، فليس في ديننا ما يمنعنا من التواصل مع الآخر، وبالذات أن العالم اليوم يدين لهم بالزعامة العلمية والاقتصادية، السر الأول في نجاح هذا الحزب الإسلامي، يكمن في الانفتاح على الآخر، والذي سبقه بلا شك تفتح فكري، قادهم إلى وعي فقهي حركي متجدد يتناسب مع القرن الذي نعيش فيه، فعند بعض إسلاميي العرب مايزال النقاش مستمراً حول الحكم الشرعي من الديمقراطية، ودور المرأة في العمل السياسي وهل وجهها عورة أم لا؟ أما الجانب الآخر الذي قاد "حزب العدالة والتنمية" إلى هذا النجاح فهو التنمية التي نجح أنصار الحزب فيها، فقد حافظوا على المال العام لأنهم أمناء. نعم نجح حزب "التنمية" في الحفاظ على المال العام وتأمين فرص للعمل أكثر وبالذات للفقراء من الناس، ولم يكن ذلك شعارا يرفع بل مدرسة الواقع هي الشاهد، فقد نجح "أردوجان" في بلدية اسطنبول نجاحاً كبيراً مهد له للنجاح على مستوى الأمة التركية، وفي الجانب الآخر تجد أن بعض الإسلاميين مايزال يعيش زمن الشعارات الجوفاء، التي لا يرى من خلالها الناس أمراً واقعاً على الأرض، لقد شبع الناس من التنظير الفكري، فهم بحاجة إلى فكر يعيشونه في حياتهم يؤمن لهم لقمة العيش الكريمة في زمن لاينجح الفكر من دون أن يسقى بماء الواقع.