بيتر سبوتس "حديقة المجرات" مفتوحة الآن؛ وحسب الكثيرين، فإنها تعرف إقبالاً لافتاً. إذ يقوم علماء الفلك في بريطانيا والولايات المتحدة حالياً بتجنيد أشخاص من مختلف بلدان العالم من أجل مساعدتهم على فحص وتصنيف صور نحو مليون مجرة من "برنامج سلون للمسح الرقمي للسماء"، الذي يعد من أكثر برامج مسح المجرات والأجرام السماوية طموحاً حتى الآن. أما الهدف، فبسيط ويتمثل في تجميع هذه المجموعات الهائلة من الكواكب والنجوم والغبار والغازات وفق الشكل –كتل حلزونية، وأخرى دائرية، ومجموعة أخرى من الأشكال. قد تبدو المهمة سهلة وبسيطة نسبياً، إلا أنها تمثل في واقع الأمر عملاً مضنياً جداً بالنسبة لأي عالم فلك، أو حتى فريق كبير من الفلكيين، لينجزها خلال قدر معقول من الوقت. ولكن فائدتها ومنفعتها بالنسبة للعلم -حسب الباحثين- جمة وكبيرة؛ على اعتبار أن المعلومات التي سيتم تجميعها، ستساعد على إلقاء الضوء على عدد من الأسئلة التي تتعلق بكيفية تشكل المجرات وتطورها. كما يمكنها أن تساهم في اختبار الفرضيات بشأن كيفية اشتغال الكون. وإضافة إلى ذلك، فيمكن أيضاً استغلال المعلومات التي سيتم تجميعها في تطوير برنامج حاسوبي يمكِّن أجهزة الكمبيوتر من فحص وتصنيف مجموعات أكبر من المجرات لبرامج مسح فضائي أوسع وأكبر نطاقاً. وحسب القائمين على المشروع، الذي أُطلق عليه اسم "حديقة المجرات"، فإن الفلكيين الهواة يستهويهم المشروع ويجدون فيه ضالتهم؛ غير أنهم يؤكدون على أنه مفتوح في وجه أي شخص يتحلى بالفضول وحب الاستطلاع بخصوص الفضاء ويتمتع بعين ثاقبة تولي الاهتمام للتفاصيل الصغيرة ودقائق الأمور؛ ولذلك، فإن خريجي الآداب أيضاً يمكنهم المشاركة فيه. أما الأجهزة الوحيدة اللازمة، فهي جهاز كمبيوتر وخدمة الإنترنت. ويشرح "كريس لينتوت"، الباحث بجامعة "أوكسفورد" البريطانية وأحد القائمين على المشروع كيف أن الفلكيين، وعلى غرار معظم العلماء، يميلون إلى أن يبينوا للناس ما يقومون به إذ يقول: "إننا في حاجة إليهم فعلاً في هذه الحالة؛ فنحن لا نستطيع القيام بذلك من دون مساعدة الجمهور". والواقع أن مجموعات بحث أخرى في مجالات أخرى تقول الشيء نفسه؛ حيث استعملت الإنترنت لجمع مجموعات كبيرة من الأشخاص للاشتغال بحواسيبهم المنزلية بهدف بلوغ جملة من الأهداف: إيجاد إشارات إشعاعية لمخلوقات من خارج كوكب الأرض، وتوضيح أسرار البروتينات، وقياس تغير المناخ- بل وحتى حل المسائل الرياضية المعقدة. أما الوسيلة الرئيسية لمشروع "حديقة المجرات"، فهي العين البشرية والتقدير البشري. وفي هذا الإطار، يوضح "لينتوت" أنه لا يوجد جهاز كمبيوتر يستطيع أن يضاهي هذين الأمرين بخصوص القدرة على تحديد النسق التي يتطلبها المشروع. وقد انبثقت فكرة المشروع عن يأس طالب من جامعة "أوكسفورد" البريطانية. فقد كان الطالب، واسمه "كيفين شافينسكي"، يحاول القيام بهذا النوع من التحاليل على 50000 مجرة لبرنامج "سلون" في إطار بحثه لنيل شهادة الدكتوراه. غير أن استنتاجاً آخر ظهر في نهاية العمل. وفي هذا الصدد، يقول "لينتوت": "بعد "50000 مجرة، فإن المرء لا يرغب في رؤية المزيد منها مرة أخرى". ولكن العالمين رأيا قيمة كبيرة جداً في إكمال تحليل "سلون" بكاملها. وإذا كان الفريق قد اعتقد في البداية على أن المشاركين سيرسلون نتيجة جديدة كل ثانية أو ثانيتين، فإن" أليكس زلاي"، أستاذ الفيزياء والفلك بجامعة "جونز هوبكنز" الأميركية وأحد مهندسي قاعدة بيانات "برنامج سلون"، يقول "إننا حصلنا على ضعف ذلك بعشرين مرة". وقد استُوحيت فكرة "حديقة المجرات" من مهمة "ستارداست" التابعة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، والتي حصلت على عينات من الغبار الموجود ما بين النجوم وجلبتها إلى كوكب الأرض من أجل دراستها. ثم طلب علماء "ستارداست" من مستعملي أجهزة الكمبيوتر المنزلية أن ينظروا إلى الصور المتاحة عبر الإنترنت للمساعدة على تحديد الآثار التي تؤشر إلى الغبار. وفي هذا السياق، يلفت "لينتوت" إلى أن: "النظر إلى المجرات أكثر أهمية بكثير من النظر إلى الغبار!". هذا، وقد عرف المشروع، الذي أُعلن عنه رسمياً الأربعاء الماضي، إقبالاً كبيراً حيث شهدت الساعات الستون الأولى انخراط ما لا يقل عن 40000 شخص فيه. كما ارتفع عدد من زاروا موقع المشروع على شبكة الإنترنت إلى 6.5 مليون زائر. حتى الآن، خضعت نحو 650000 مجرة للتصنيف الأولي. وإذا كان ما ينيف عن 40000 شخص ممن يشاركون في المشروع يبدو عدداً كبيراً من أجل هذا الغرض، إلا أن القائمين على المشروع يؤكدون حاجتهم إلى المزيد. وفي هذا الإطار، يقول "زلاي": "علينا أن نحصل على ما بين عشرة وعشرين تصنيفاً لكل مجرة"، وهو ما من شأنه أن يسمح للعلماء بتحديد الشكل الأرجح للمجرات بسهولة، مضيفاً: "ما يزال لدينا الكثير من المجرات التي لم ينظر إليها أحد بعد". كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"