لا لحرب باردة جديدة... وانتقادات لمبادرة "كاميرون" الأفريقية التوتر القائم في علاقات موسكو ولندن، ووعود القطيعة مع سياسات بلير السابقة، ودلالة زيارة ديفيد كاميرون الحالية لرواندا في أوج كارثة الفيضانات الأخيرة التي اجتاحت بعض أجزاء من المملكة المتحدة... موضوعات نعرض لها ضمن قراءة موجزة للصحافة البريطانية. تعلم دروس الحرب الباردة: في عددها الصادر بتاريخ 19 يوليو الحالي، نشرت مجلة "ذي إيكونومست" البريطانية مقالاً تحليلياً حول التوترات الروسية البريطانية الحالية، بسبب مطالبة لندن لموسكو، بتسليم المشتبه به في مصرع الجاسوس الكسندر ليتفينينكو العام الماضي. وأكد المقال على ضرورة أن يفعل الغرب ما يلجم روسيا ويكبح جماحها، ولكن من دون أن يؤدي ذلك الى مواجهة معها، أو قطع العلاقات التجارية بين الغرب وموسكو. وجاء في المقال إن المرتكب الحقيقي والمباشر للجريمة التي أثارت كل هذا التوتر الدبلوماسي الحاد بين لندن وموسكو، لا يزال مجهولاً وربما يبقى كذلك باستمرار، غير أن أصابع الاتهام تشير إلى شركاء محتملين أو متسترين على جريمته، بمن فيهم الرئيس بوتين ومسؤولو أجهزته الأمنية وغيرهم، وإن تباينت واختلفت درجات الشبهة المثارة بحق هؤلاء. بل إن ما يثير قلق الغرب حقاً، سواء في ارتباط بوتين بهذه الجريمة أم بغيرها، هي ظاهرة انتهاك القانون برعاية الدولة وتحت بصرها وسمعها في روسيا اليوم. وبررت لندن طردها لأربعة دبلوماسيين روس من أراضيها خلال الأسبوع الجاري، بأنه جاء نتيجة لعجز موسكو عن التعاون معها في ملف التحقيق الخاص بقضية اغتيال ليتفينينكو، كما أبدت لندن أسفها على تجاهل موسكو بكل هذا القدر لالتزاماتها الدولية. أما من جانبها، فجاء رد موسكو عاصفاً وغاضباً على تلك الخطوة، وذلك بطردها لأربعة دبلوماسيين بريطانيين، إلى جانب وقف إصدار تأشيرات الدخول للمسؤولين البريطانيين، مع التهديد بوقف التعاون من جانبها في ملف الإرهاب. غير أن المقال أكد أن روسيا لا تزال لاعباً دولياً لا يستهان به، وأنه لا سبيل إلى محاربتها أو مقاطعتها اقتصادياً، على نحو ما حدث إبان حقبة الحرب الباردة. لا حرب باردة جديدة: وفي الموضوع نفسه، نشرت صحيفة "ذي أوبزرفور" الصادرة في 22 يوليو الحالي، مقالاً افتتاحياً لكاتبه "روبرت سيرفيز"، قال فيه إنه ليس في وسع بوتين ولا القابضين على مفاصل الاقتصاد الروسي، إعادة البلاد إلى حقبة المواجهة الطويلة الباردة مع المعسكر الغربي، إبان العهد السوفييتي. وأضاف الكاتب عاملاً آخر في التوتر الدبلوماسي الحالي بين عاصمتي البلدين، يتمثل في اكتشاف لندن، محاولة أخرى من جانب موسكو، لاغتيال بوريس بيرزوفسكي، الذي نجا بأعجوبة من ميتة مدبرة له. وعلى إثر إرغام الشركة النفطية البريطانية العملاقة BP على التوقيع على عقد جديد أقل ربحية ويمنح الشركة حق مزاولة استثماراتها النفطية في أقصى شرقي روسيا، فقد ثارت ثائرة الإعلام البريطاني، إلى حد دفع بعض تلك الوسائل، إلى القول إن هناك الكثير من المؤشرات على سلوك موسكو، مما يمكن تفسيره على أنه سعي لإعلان حرب باردة جديدة مع الغرب، تبدأ بمواجهتها الحالية مع لندن. إلا أن من رأي غالبية الرأي العام الروسي، أنه لا ينبغي لحكومة بلادهم، أن تدفع باتجاه مواجهة باردة جديدة مع الغرب، وأنه لا يحق ذلك للرئيس بوتين ولا لبوريس بيرزوفسكي، وهو من الأوليجارك وأثرياء روسيا الجدد، الذين تثير ضدهم حكومة بوتين تهماً عديدة تتعلق بما تصفه بلا شرعية ممارساتهم التجارية والاستثمارية. براون على طريق بلير: في مقاله المنشور بصحيفة "الجارديان" يوم أمس، أشار " توم كلارك" إلى تصريح أدلى به رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون، في مؤتمر لحزب "العمال" انعقد في عام 2003: "يصبح حزبنا في أفضل حالاته عندما يكون حزباً للعمل". وجاء في تعليق المراقبين والخبراء، أن ذلك التصريح قد تعمد حذف صفة "الجديد"، باعتبارها نهجاً عبرت عنه حكومة بلير السابقة، وهو ما يرمي براون إلى تخطيه واستبداله بنهج جديد وعلى درجة كبيرة من الاختلاف مع نهج بلير في إدارة شؤون البلاد. ولكن هل يشير التقرير الذي أعد عن الفترة القصيرة السابقة من أداء الحكومة الجديدة إلى ذلك الاختلاف الموعود في نهج الحكم؟ مما لا شك فيه أن هناك أولويات جديدة قد طرأت، لعل في مقدمتها خطط الإسكان، فضلاً عن التغير الواضح في السلوك إزاء الوزارات والدوائر الحكومية المختلفة، وكذلك في أولويات القضايا الاجتماعية بوجه عام. ولكن هل تشير مؤشرات توفر المزيد من الاحترام للمهنيين، وإتباع سياسات عدلية أكثر ليبرالية، أو زيادة المنح الدراسية المتوفرة حالياً للطلاب، أو على الصعيد الخارجي، السياسات المتبعة الآن حيال العراق وأفغانستان، إلى تغير يذكر في سياسات بلير؟ على عكس الاختلاف الموعود، فإن من المرجح أن تواصل حكومة براون الحالية، سياسات بلير أكثر من إعلانها لقطيعتها معها. ديفيد كاميرون والمبادرة الأفريقية: يوم أمس الأربعاء نشرت صحيفة "الإندبندنت"، تعليقاً على تنفيذ الزعيم المحافظ ديفيد كاميرون، زيارته المقررة إلى رواندا ومخاطبته في الأول من أمس للبرلمان الرواندي، في وقت يواجه فيه ناخبوه ومواطنوه، مآسي كارثة الفيضانات، التي ضربت بلادهم الأسبوع الماضي. وذكر المقال أن "كاميرون" لم يكن ليتعرض للهجوم والانتقادات التي تعرض لها الآن، لو أنه كان بين المرشحين المتقدمين انتخابياً من مرشحي الحزب، أثناء قيامه بالزيارة المذكورة. بل على العكس تماماً، فالأرجح أن ينظر إلى مبادرته هذه إزاء القارة الأفريقية، باعتبارها خطوة جريئة منه لإحداث تغيير ملحوظ في سياسات حزب "المحافظين". غير أن هناك من يرى أن إلغاء الزيارة ما كان له أن يحدث فارقاً يذكر في الجهود المبذولة داخلياً من أجل تخفيف آثار كارثة الفيضانات على مواطنيه البريطانيين. وعليه فإنه لا يزال ممكناً النظر إلى الزيارة، باعتبارها مؤشراً إيجابياًِ على بدء تحول في سياسات حزب "المحافظين" إزاء قضايا الفقر والمساعدات الخارجية المقدمة من جانبه إلى فقراء العالم. فهل تغير الزيارة هذه، صورة حزب "المحافظين" السلبية للغاية في هذه القضايا بالذات؟ إعداد: عبد الجبار عبدالله