في ديوان جلال الدين الرومي "المثنوي" قصة أربعة فقراء كانوا جلوساً على الطريق، أحدهم فارسي والآخر عربي والثالث تركي والرابع رومي، مرّ عليهم محسنٌ وأعطاهم درهماً واحداً غير قابل للتجزئة، فقال الفارسي: نشتري به "عنقور"، وقال العربي: بل نشتري به عنباً، وقال التركي: لا نريد عنباً بل "ازم"، وقال الرومي: اتركوا هذا كله ولنشتري "استافيل"؛ فدبّ الخلاف بينهم وكادوا يتعاركون بالأيدي لولا مرور حكيم يعرف في اللغات، أخذ الدرهم واشترى عنباً ووضعه أمامهم، ففرحوا وأخذوا يأكلونه وكل واحد منهم يقول في نفسه: أنا الرابح فهذا ما طلبتُ... وفعلاً كان كل واحد منهم هو الرابح وفي الوقت نفسه لم يخسر أحد، لأنهم جميعاً طلبوا العنب لكن كلٌ حسب لغته. والأديان تطلب الله السماوية منها وغير السماوية، والاختلاف الصغير أو الكبير بينها هو في الطريقة والطقوس، فالسعي مختلف والمسعى واحد، وقد قيل قديماً: "الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق"، وقيل أيضاً: "عباراتنا شتى وحسنك واحد". وإذا أبعدنا الانتهازيين والانتفاعيين والمرائين من كل الأديان، فسنجد الباقين يطلبون الله مخلصين... وإن كان بعضهم ضلّ الطريق، فالله يعرف نياتهم، فلو أن ملكاً دعا رجلاً للوقوف ببابه كل يوم لأداء التحية، وأخطأ الرجل لسبب خارج عن إرادته ووقف ببابٍ آخر وأدى المطلوب منه بإخلاص، وكان الملك يعلم بحال الرجل، فلن تشفع نية الرجل وصدقه عند الملك فيعفو عنه ويدخله جناته؟ يوضّح هذا المعنى "سلطان العاشقين" عمر بن الفارض في تائيته الكبرى حيث يحكي على لسان الذات الإلهية بلغة متسامحة مع المسيحي صاحب الزُّنّار (الحزام)، ومع اليهودي صاحب التوراة، وحتى مع العاكفين على الأحجار طالما هم قصدوه، ثم يقول عن المجوس الذين عبدوا النار: فمـا قصـدوا غيـري وإن كـان قصـدُهـم/ســوايَ، وإن لـم يُظهــروا عَقـدَ نيــةِ رأوا ضـوءَ نــوري مــرةً، فتوهمــوه/ نـاراً، فضلّــوا فـي الهــدى بالأشعــةِ وظن المرء أن هذا هو زمن التعصّب بين المسلمين في رفضهم الآخر وتشددهم بين بعضهم بعضاً، وأن الغرب المسيحي الذي دخل في صراعات وحروب على مدى قرون بسبب التعصّب الديني، تعافى من هذا الداء إلى الأبد، لكن البابا بنديكت السادس عشر، بابا كاثوليك العالم، انقلب على نهج الفاتيكان المتسامح مع الآخر بعد أن نشر وثيقة "احتكار روح المسيح" التي يعتبر فيها إيمان المسيحي غير الكاثوليكي ناقصاً وأن كنيسة المسيح الكاثوليكية في روما هي كنيسة المسيح "الحقيقية" والطريق الحقيقي "الوحيد" للخلاص، بينما باقي الكنائس الأرثوذكسية والشرقية والكنائس البروتستانتية إما "معيبة" أو "غير حقيقية"، على رغم أن كل الطوائف المسيحية تؤمن بالثالوث المقدس وبالكتاب المقدس. وفي المقابل، رد بعض قساوسة الأرثوذكس على بابا الفاتيكان بأن الكاثوليكية هي التي انشقت عن الأرثوذكسية المستقيمة و"انحرفت" عن الإيمان لأهداف سياسية... واضح أن الذين نصّبوا أنفسهم حماة وقائمين على أمر الأديان، لا يفهمون ولا يعترفون ولا يتصورون أن للعنب آلاف الأسماء... ربما لحاجة في نفوسهم.