مخترع رشاش "الكلاشينكوف" ما يزال على قيد الحياة، ويبلغ من العمر أكثر من ثمانين عاماً، أما سلاحه فيمتاز بالفتك الشديد، وسهولة الاستعمال، وخفة الحمل، ورخص السعر، وكثافة النيران، ومخزن الذخيرة المحتشد بالطلقات الغادرة، وعدم سخونة السلاح مع شدة الاستعمال وعظم القتل، كما أنه ينفع في المواجهات القريبة والالتحام المباشر... ولهذه المزايا، تجاوز عدد قطعه التي بيعت حتى الآن الـ 200 مليون قطعة... وبهذا يكون الرجل قد تسبب في قتل ملايين الأنام، ولهذا السبب فهو يدعو اليوم إلى السلام بين بني البشر، بعد أن رأى أن فعل السلاح والقتل لا ينتهيان في النهاية إلا بالقتل المباشر! وهو شعور دفع "ألفريد نوبل" إلى اختراع جائزته السنوية للسلام، وكان هذا بتشجيع من داعية السلام التشيكية "بيرتا فون سوتنر" التي عاصرت الرجل، ودعت في أوروبا إلى إلقاء السلاح، فاتهموها بالجنون، وحجزوها في الإقامة الجبرية، واعتبروا أن ما تدعو اليه خارج العقل والمنطق! والشعور بتأنيب الضمير هو الذي ضغط على عقل "روبرت أوبنهايمر"، الدماغ العلمي لمشروع "مانهاتن" للسلاح النووي عام 1945، قبل أن يقود حملة للسلام العالمي. إنه أمر جدير بالذكر أن يعاد عرض شريط هذا السلاح الأعظم الذي أشرفت أميركا على إنجازه خلال الحرب العالمية الثانية، وهو الذي دفع "أوبنهايمر" لإعادة حساباته بعد أن رأى الأثر المخيف لذلك السلاح. وحسب "فيكتور فيرنر" في كتابه "الخوف الكبير"، فإن هذا السلاح لم يعد سلاحاً، بل تطوراً نوعياً يلغي مسألة القوة والحرب بالجملة. وهذا التحول في طبيعة الحرب لم يدركه الناس بعد، وهو السر في استمرار الحروب، حيث لم يفهم الناس طبيعة التحول الجديد، لذلك فإن قادة يملكون القوة، مثل "بوش"، يشنون الحرب ولا يدركون التحول النوعي في طبيعتها. وهذا يعني بكلمة أخرى أن من يشن الحرب هم أناس متخلفون عن العصر، ولو كان في البيت الأبيض أو مثل "أولمرت" أو "نصر الله"! إن عهد القوة والسلاح والانتصار الدموي، لم يعد له مكان... وحاليا تحاول إيران دخول نادي الأقوياء من الباب الخلفي، وتريد بناء صنم نووي تركه أصحابه منذ تجربة هيروشيما فلم يكرروه! إن الأيام الحارقة في الصيف، تنشط الذاكرة دوماً في يوليو وأغسطس، حين سطعت كتلة النيران النووية وبزغ رأس الفطر النووي فوق "هيروشيما" وناجازاكي"... ومن يومها عرف العالم طبيعة السلاح الجديد، لكن ما لم يستوعبه العسكريون بعد هو أن زمن الحرب انتهى، وأن القوة العسكرية أصبحت من الماضي. ويبقى الإنسان يتعجب من هذا التناقض بين هذه الحقيقة الصارخة واستمرار قتل البشر بعضهم بعضا يومياً! ومن عاش تلك الأيام البائسة يروي طرفاً من "جهنم النووية"، وكيف كانت طوابير الناس المحترقين المتألمين المختنقين والمتبقين من "المحرقة الكبرى"، يزدحمون في جسور المدينة، حفاة عراة قد ألجمهم الرعب كأنه يوم الحشر، والكل كأنه في حلم يسأل: ما الذي حدث؟ ما الذي أصاب البلد؟ هل هو سلاح؟ هل هي نهاية البلد، كما في بركان "فيزوف" الذي دفن مدينة بومباي؟ أم هي نهاية العالم التي تحدثت عنها الكتب المقدسة؟.. لا أحد عنده الإجابة! كان الجميع يبحثون عن أي مصدر للماء لتخفيف آلام حروقهم، وحين عمد بعضهم إلى دفن رؤوسهم في أحواض الماء التي خصصتها الحكومة لإطفاء حرائق الحرب، فاجأهم الموت فبقوا جثثاً فوق الأحواض؟! "فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فبأي آلاء ربكما تكذبان"؟