ما توحي به زوايا المشهد الإقليمي، ومن خلال تصريحات المسؤولين الإيرانيين المستمرة، هو أن إيران تعيش ما يسميه بعضهم بـ"العمى السياسي"، ففي حين تسعى دول الخليج العربي إلى إصلاح العلاقات مع إيران وإعطاء القيادة الإيرانية الحالية الفرصة المناسبة كي تقدّم نفسها للعالم في صورة أحسن من تلك الصورة المعروفة عنها، بتشددها وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول، تبدو طهران وكأنها لا تريد تغيير تلك الصورة! لا يعتبر إطلاق التصريحات النارية، والتشدد في المواقف، دليل قوة في كل الحالات، بل ربما يعتبر دليل ضعف في أحيان كثيرة، خصوصاً إذا تزامن ذلك مع أزمات داخلية وتصريحات لا ترتكز إلى واقع التشدد واستعداء الآخرين. يمكن أن نشتم من تصريحات المسؤولين الإيرانيين المتكررة، ومنها قول "حسين شريعتمداري"، بأن النظام الإيراني الحالي يعاني من تحديات داخلية وإقليمية، وأن هناك انطباعا سائدا لدى إيران بأنها تتعامل مع دول لينة أو "رخوة"، كما يحب السياسيون وصفها. لذا نجد أنه كلما رأت طهران بأن هناك اتفاقا بين دول الخليج، تحاول التلاعب بتصريحاتها، كما فعلت في التصريحات الأخيرة عندما حاول "شريعتمداري" الهروب إلى الأمام وزعزعة الموقف الخليجي، مدعياً أنه لم يكن يقصد البحرين وإنما كلامه كان موجهاً إلى دولة الإمارات! بالنسبة للانطباع الإيراني عن الموقف الخليجي في التعامل معها، فهو إلى حد ما مبني على واقع؛ إذ رغم أن الدول الخليجية تتفق على أنها كلها ضد إيران، فإن هناك تفاصيل كثيرة تقترب بها من حد الاختلاف. وإيران، بخلاف ما تحاول ادعاءه من أنها تشاكس دولة الإمارات أو تبتزها في جزرها الثلاث، هي في الحقيقة تمارس سياسة تمس دول الخليج كلها. ما يهمنا في الموضوع أن إيران تسعى بكل ما لديها من قوة لإعادة علاقاتها الخليجية إلى نقطة الصفر، فتصريحات "شريعتمداري"، سواء في ما يخص البحرين أو الجزر الإماراتية الثلاث، تؤكد على أنها محاولة أكيدة لإحداث شرخ حقيقي في العلاقات الخليجية الإيرانية. إيران تبدو وكأنها تريد تغيير العالم من دون أن تغير نفسها، وتريد أن يتعامل معها جوارها حسب رغبتها، وهذا في السياسة الدولية أمر صعب، فلكي يتغير سلوك العالم مع إيران على قادتها أن يتغيروا. ما يقوم به بعض المسؤولين الإيرانيين أخطر من الحقيقة التي يعيشها النظام، وقد يؤدي مثل هذا التعنت والغرور إلى ما لا تحمد عقباه بسبب تصرفات متعجلة. ما يطرحه "شريعتمداري" وآخرون من المسؤولين الإيرانيين حالياً، أشبه ما يكون بتخبط سياسي، فمن تدخلهم في السياسات الداخلية للدول العربية، إلى معاندة المطالب الدولية وما يصاحب ذلك من ضغوط اقتصادية وصولاً إلى التصريحات المستفزة للدول الإقليمية حول الأدلة المزعومة التي تمتلكها إيران في ملكيتها للجزر الإماراتية الثلاث، والتي تحتلها من دون وجه حق... كلها تفسر الحالة النفسية التي تحكمت في علاقاتها بعد ما بدأت العقوبات الدولية تحدث تأثيرها، بل أصابت العناد الإيراني في مقتل. وقد تبدلت اهتمامات القيادة الإيرانية من الاهتمام بالوضع الداخلي، إلى إرسال المشاكل إلى الخارج، لكن ذلك المنطق سيوسع دائرة العداء من خلال إجبار شعوب الخليج على الوقوف ضد إيران في مواجهة الاستحقاقات الدولية. وفي الوقت الذي كانت فيه دول الخليج تؤكد أنها لن تقف مع ضربة عسكرية ضد إيران، وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الدول تستقبل مسؤولين إيرانيين على أعلى المستويات في محاولة منها لإعطاء إيران فرصة مناسبة لمخاطبة العالم بلغة مختلفة... نجد تصريحات لمسؤولين إيرانيين ترجع بتلك العلاقات إلى ذروة التوتر بين ضفتي الخليج. تصريحات المسؤولين الإيرانيين الأخيرة كلها تصب في توسيع دائرة العداء الخليجي لإيران؛ فقبل تصريحات "شريعتمداري" كانت هناك تصريحات "علي شمخاني"، ومن قبله تصريحات نجاد نفسه، رغم حاجة إيران إلى كل صديق، خاصة الدول الخليجية التي تمثل الرئة الاقتصادية لإيران في ظل العقوبات الدولية، وكأنهم بذلك يؤكدون عزمهم على خسارة أي تعاطف معهم ويدفعون الكل للوقوف ضدهم! sowafi@hotmail.com