التلاسن وحتى الضرب في البرلمانات، ظاهرة لا تقتصر على الكويت، فبالأمس شاهدنا "الهوشه" في البرلمان التايلندي، وسبقها تشابك بالأيدي في البرلمان الكوري الجنوبي. وفي مجلس العموم البريطاني يشتد الخلاف بين الأعضاء حول قضايا عامة، لكن قلما يحدث التشابك بالأيدي، ولم نسمع عن تشابك بين "الجمهوريين" و"الديمقراطيين" في الكونغرس الأميركي، رغم قرب موعد انتخابات الرئاسة. في الكويت ظاهرة التلاسن بين النواب، كانت محصورة بين مناصري الحكومة ومعارضيها، أما اليوم فلم يعد هذا التقسيم ذا معنى حيث تداخلت الأوراق وأصبح التلاسن المقرون بالفضائح يعم سلوك المجلس... تبادل الاتهامات وضرب تحت الحزام، والايجابي في ذلك أن الناخب أصبح بإمكانه معرفة خفايا الصفقات الخاصة، فكل واحد يقذف الآخر ويتهمه في ذمته المالية، ما جعل الكثير يشكك في مصداقيتهم وجديتهم في الإصلاح. الفساد ظاهرة ارتبطت بالنفوذ، وتعود الناس أن يتهموا الحكومات بالفساد وحماية شبكاته، لكن أن ينفذ الفساد إلى المؤسسة التشريعية التي يفترض فيها أن تشرع وتراقب، فهذه كارثة ما بعدها كارثة، وهي تعسر من عملية الإصلاح وتضر بالديمقراطية. فالنائب الذي لديه معلومة حول تورط زميله في عمليات مشبوهة، لماذا يخفيها ويتستر على زميله وينتظر اللحظة التي ينشب فيها الخلاف، فيبدأ بتوجيه الاتهامات، من دون مراعاة لحلف اليمين؟ يبدو أننا في الكويت، بدأنا بمحاصرة أنفسنا وبدأت الديمقراطية تتعثر، ليس فقط بسبب السلوك الحكومي، وإنما نتيجة تورط البرلمان أيضاً في قضايا الفساد! أعضاء البرلمان يتهمون الوزراء بالفساد، ومن ثم يستجوبونهم، وقد يصل الأمر إلى الخروج القسري من الحكومة، لكن من يحاسب عضو البرلمان المتورط في عمليات فساد؟ في الدول ذات الحس الديمقراطي، ونقصد عندما تتحول الديمقراطية إلى سلوك عام، يجبر العضو المتورط في الفساد على الاستقالة أو تتم تنحيته من الحزب الذي ينتمي إليه، لكن الأمور لدينا تسير بشكل آخر؛ فالحمية القبلية أو العصبية الجاهلية، تبدأ تنشط ويبدأ النائب بتحويل الصراع إلى هجوم على قاعدته الانتخابية، ومن ثم تجد القاعدة تقف مع نائبها حتى وإن كان مرتكباً لأكبر الخطايا، لأن العصبية الجاهلية تفرض نفسها، وهكذا يتعثر الإصلاح وتتحول الديمقراطية إلى المثل الشعبي "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب"! شواهد كثيرة تفسر لنا ما يحدث في البرلمان الكويتي، حيث تفرض العصبية الجاهلية نفوذها وتوفر الحماية، سواء للنائب أو المسؤول، من المساءلة السياسية طالما هم يرتبطون برابطة الدم، ويتحول الوطن إلى دويلات صغيرة كل منها يدافع عن مصالحه! المعارضة الكويتية كانت دائماً تجد لذتها في الهجوم على النظام السياسي والحكومة، وتعتبرهما من يخلق الأزمات ويعيق تطور الديمقراطية، إلا أن البرلمان الكويتي اليوم تحول إلى حجر عثرة كبير في تقدم البلاد، ما يثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل الديمقراطية في الكويت، من ناحية، ويضع المعارضة في وضع حرجٍ، من ناحية أخرى. القوى السياسية الكويتية، لم تعر اهتماماً في برامجها لتطوير الوعي السياسي والسلوك الديمقراطي، وكانت منشغلة بصناديق الاقتراع، مما أضعفها على مر السنوات وحولها إلى أقلية أمام المد الكبير لقوى العصبية الجاهلية، وهي تشترك في تحمل المسؤولية عن انحراف الديمقراطية في الكويت. من الواضح أن أموال النفط لعبت دوراً في تخريب الذمم وفي تشويه الديمقراطية، حيث لم يعد من السهل التفريق بين من يدعي الإصلاح وبين المتورط في قضايا الفساد؛ فالتلاسن بين النواب كشف المستور وجعل المواطن في حالة حيرة كبيرة مما يحدث على الساحة السياسة. المراجعة باتت مطلوبة، والأمل معقود على العقلاء في التحرك لصد الهجمة الشرسة التي تشهدها البلاد للنيل من تجربة فريدة كان لها أن تتطور وتتحول إلى نموذج ناجح من الممكن أن يعم منطقة الخليج كلها!