تناولت العديد من الصحف المحلية والأجنبية والمواقع الإلكترونية الإضراب العمالي الذي شارك فيه أكثر من 5 آلاف عامل، معظمهم من الهنود، في منطقة الرويس بأبوظبي الأسبوع الماضي. وهذا الإضراب، ورغم كل ما رافقه من أعمال عنف وإتلاف للممتلكات، فإنه لا يختلف عن الإضرابات السابقة من حيث أسلوبه أو مطالبه. الغالبية العظمى من المصادر أهملت هذا الحدث في الأساس باعتباره لم يخرج عن المألوف في دولة تشكّل العمالة الأجنبية فيها ما يزيد على 90% من قوة العمل، وباعتبار أن هناك مساعي ملموسة وواضحة للجميع، وبشهادة المنظمات الدولية، بأن الجهات المعنية في الدولة، وفي مقدّمتها وزارة العمل، تبذل جهوداً حثيثة لحسم القضايا العمالية جميعها، بما في ذلك ملف الإضرابات، كما أن هذه الجهات تقوم حالياً بدراسة قانون العمل الجديد الذي ينسجم مع معاهدات "منظمة العمل الدولية" جميعها، والالتزامات الدولية الأخرى المطلوبة في هذا الخصوص، ويحرص على حماية حقوق العمال، ما يحسم العديد من الإشكالات والدوافع المحرّكة لمثل هذه الإضرابات. الأمر اللافت للنظر بشأن التناول الإعلامي لهذا الحدث، أن المصادر الأجنبية التي تناولته كانت أكثر مصداقية وواقعية، وركّزت على المساعي التي بذلتها وزارة العمل والسفارة الهندية في أبوظبي، لاحتواء الأزمة، بخلاف إحدى الصحف المحلية الإنجليزية التي أهملت كل ذلك وأوردت هذا الحدث تحت عنوان "قوات حكومية في مخيم للعمال بأبوظبي"، إلا أنك عندما تسترسل في قراءة التفاصيل تجد أن الصحيفة تشير إلى أن حالة من العنف بين العمال المضربين أدّت إلى مقتل اثنين من العاملين الهنود لم يستجيبا للدعوة إلى الإضراب وذهبا إلى موقع العمل، الأمر الذي استدعى تدخّل قوات الشرطة. من يقرأ تفاصيل الخبر الذي أوردته الصحيفة يفهم بوضوح ومن دون أي لبس أن قوات الأمن تدخّلت لحماية العمال أنفسهم بعد أن تطوّر الأمر إلى قتل من يرفض الاعتصام ويذهب لأداء العمل، ولكنك عندما تقرأ العنوان الرئيسي تفهم أن قوات الأمن تدخّلت لقمع العمال. هذه الحادثة وغيرها من القضايا المشابهة التي تكرّرت كثيراً، خاصة من جانب بعض الصحف المحلية التي تصدر باللغة الإنجليزية، تطرح تساؤلات جديّة حول الطريقة التي تتناول من خلالها هذه الصحف قضايا الوطن والمواطنين، خاصة في ما يتعلّق ببعض القضايا الحسّاسة التي تحتاج إلى حسّ وطني في التعامل معها وتقديمه على أي اعتبارات أخرى مثل قضايا العمالة الأجنبية، والآسيوية تحديداً. فمن المهم عند التعرّض إلى هذه القضايا أن تكون الأولية للطرح الموضوعي بعيداً عن الإثارة أو التأجيج، والبحث عن حلول لمشكلات يمكن أن تساعد على رسم استراتيجية وطنية شاملة في التعامل معها. لا شكّ في أن الصحافة هي مرآة المجتمعات والدول، وحريتها وتطوّرها مؤشر صحة وعافية يرتقي بارتقاء البيئة المحيطة، ولا شكّ في أن الصحافة الإماراتية تتمتّع بهامش كبير في حرية النشر والتعليق، إلا أن هذه الحرية يجب أن تكون وسيلة تنوير وتغيير، وليس وسيلة لتجاهل الحقائق أو طمسها أو تزييفها. إن قطار التنمية الشاملة في الإمارات لا يزال يسبق بمراحل قاطرة العمل الصحفي بشكل عام، وهو ما يقتضي مضاعفة الجهود خلال المرحلة المقبلة للحاق بهذا القطار، بدل ذر الرمال في عجلاته. وهذا بدوره يتطلّب وجود قانون متطوّر للصحافة، يوازن بين الحريات الصحفية، وسوء استخدام ذلك الحق. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.