لقد تأكد للجميع فشل التجربة الديمقراطية في الكويت, الأمر الذي أدى إلى محاولة جميع الدول الخليجية عدم محاولة الدخول في مغامرة غير مأمونة العواقب, وفوضى اجتماعية وسياسية واقتصادية وتعطل التنمية – تجاوزاً- وتخلف الكويت في كل المجالات بعد أن كانت تسمى جوهرة الخليج. وكما قلنا, هذا أمر مفروغ منه. لكن ما السبب في تعطل العجلات الأربع للديمقراطية, حتى أصبحت عبئاً على أصحابها, بل وظهر من بين المثقفين من يدعو إلى حل البرلمان الكويتي, ولو لالتقاط الأنفاس فترة من الزمن. هل العيب في الكويتيين أنفسهم, أم في الديمقراطية ذاتها, لأنه تم " تكويتها", في حين أن الديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي , بل أسلوب حياة في المقام الأول؟ إذا كانت ألاسكا, تلك المنطقة الجليدية, لا تصلح لزراعة النخيل, فلا شك أن المشكلة تكمن في البيئة المناخية , وليس في النخيل ذاته الذي يحتاج شروطاً بيئية محددة. فإذا ما اختلت الصفات البيئية, فإنه من الطبيعي أن لا يتمكن أي إنسان من زراعة النخيل. وليس من السهل قطعاً, تغيير البيئة الجليدية, كما أنه لا بديل عن النخيل كنبتة زراعية. والأمر نفسه ينطبق على الكويت, كما ينطبق على كل "بيئة "عربية, بدليل فشل الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي. ولكن ما يهمنا في هذا المجال يتعلق بالكويت تحديداً. لا يختلف اثنان على أن المجتمع التجاري, مجتمع مفتوح, كما هو الحال في إمارة دبي مثلاً. ومن ميزات المجتمع المفتوح سيادة التوجه الليبرالي القائم على الحريات المدنية والفكرية بشكل عام. لكن المعضلة تكمن في ذلك التعارض القائم بين مفاهيم المجتمع المفتوح, والتراث الفكري والثقافي الذي يستمد منه هذا المجتمع جوهر وجوده. والتراث العربي, تراث استبدادي بطبيعته الذاتية. والاستبداد العربي ظاهرة ملموسة عياناً في الأسرة لدى الزوج والأب, والأم من بعده, ثم يتم التدرج صعوداً حتى الوصول إلى شيخ القبيلة, أو الحاكم. وكما أنه لا يمكن معارضة الأب لأسباب نفسية في المقام الأول, كذلك الأمر مع الحاكم الذي لا يخضع للمراقبة أو المحاسبة, ويتم قبول كل أخطائه باعتبارها من "طبيعة" الأشياء البديهية. من منّا يستطيع محاسبة أبيه, أو معارضته؟ وحيث أن المعارضة تحتاج أولاً وأخيراً إلى الحرية القائمة على الضمانات لتجنب الأذى الشخصي, إضافة إلى حقيقة أن الحريات قابلة للتمدد إلى ما لا نهاية, فإن وأد الحريات يصبح مقبولاً في النظام الديمقراطي, حتى لا "يتمادى" الفرد في استخدامه, وهو ما يفسر ظاهرة الاستبداد الديمقراطي, بمعنى كبت الحريات باسم القانون! وبالنتيجة يتكون في المجتمع والدولة نظام ديمقراطي بلا روح ديمقراطية, ومن ثم تفشل الديمقراطية. وهذا ما حدث في الكويت, وما سيحدث في الدول الخليجية حين تعتمد الديمقراطية أسلوب حكم, لكنها لن تستطيع أن تتجاوز ذلك, إلى تحول المجتمع إلى مجتمع ديمقراطي, وبالتالي تجتمع النقائض في المجتمع والدولة: انفتاح اقتصادي ومدني , ولكن من دون انفتاح سياسي يتصل بالحريات الفكرية, خاصة حرية التعبير. ولسنا نرجم بالغيب للقول بأن كل محاولات الديمقراطية في العالم العربي ستفشل, حتى ولو امتلكنا مليارات الدولارات, والتي سنأخذها معنا إلى داخل "متحف" الاستبداد.